Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 33-35)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : { قد } للتحقيق ، وإنه ضمير الشأن ، وقرأ نافع : " يُحزن " ، بضم الياء حيث وقع ، إلا قوله : { لاَ يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الأَكْبَرُ } [ الأنبيَاء : 103 ] والباقون : بفتح الياء ، وفيه لغتان : حزن يحزُن ، كنصر ينصر ، وأحزن يحزِن . والأول أشهر . ومن قرأ : " يُكذّبُونَك " بالتشديد فمعناه : لا يعتقدون كذبك ، وإنما هم يجحدون الحق مع علمهم به ، ومن قرأ بالتخفيف فمعناه : لا يجدونك كاذبًا ، يقال : أكذبت الرجل إذا وجدته كاذبًا ، وقيل : معناهما واحد ، يقال : كذّب فلانٌ فلانًا ، وأكذبه ، بمعنى واحد ، وفاعل { جاءك } : مضمر ، أي : نبأ أو بيان ، وقيل : الجار والمجرور . وجواب { فإن استطعت } : محذوف ، أي : فافعل . يقول الحقّ جلّ جلاله : { قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون } أي : الكفار في جانبك من أنك شاعر أو كاهن أو مجنون أو كاذب ، . { فإنهم لا يُكذبونك } في الحقيقة ، لجزمهم بصحة نبوتك ، ولكنهم يجحدون بآيات الله ، حسدًا وخوفًا على زوال الشرف من يدهم : نزلت في أبي جهل ، قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : " إِنَّا لاَ نُكَذِّبُكَ ، ولكِن نُكذِّبُ بِمَا جئتَ بِهِ " وقال الأخنَسُ بن شُرَيق : والله إن محمدًا لصادق ، ولكني أحسده على الشرف . ووضع { الظالمين } موضع المضمر للدلالة على أنهم ظلموا لجحودهم ، أو جحدوا لتمرنهم على الظلم . ثم سلاَّه عن ذلك ، فقال : { ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأُوذوا } أي : صبروا على تكذيبهم وأذاهم ، { حتى أتاهم نصرنا } ، فاصبر كما صبروا حتى يأتيك نصرنا كما أتاهم ، وفيه إيماء بوعد النصر للصابرين ، ولذلك قيل : الصبر عنوان الظفر . { ولا مبدل لكلمات الله } السابقة بنصر الصابرين ، كقوله تعالى : { وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ } [ الصافات : 171ـ172 ] ، { ولقد جاءك من نبأ المرسلين } أي : من قصصهم ، وما كابدوا من قومهم حتى نصرهم الله فتأنس بهم وانتظر نصرنا . { وإن كان كَبُر } أي : عظم وشق { عليك إعراضهم } عنك وعن الإيمان بما جئت به ، { فإن استطعت أن تبتغي نفقًا } أي : سرباً { في الأرض } فتدخل فيه لتطلع لهم آية ، { أو سُلَّما في السماء } لترتقي فيه { فتأتيهم بآية } حتى يعاينوها فافعل ، ولكن الأمر بيدي ، فإنما أنت نذير . قال البيضاوي : المقصود : بيان حرصه البالغ على إسلام قومه ، وأنه لو قدر أن يأتيهم بآية من تحت الأرض أو من فوق السماء لأتى بها رجاء إسلامهم ، { ولو شاء الله لجمعهم على الهدى } أي : لو شاء الله جمعهم على الهدى لوفقهم للإيمان حتى يُؤمنوا ، ولكن لم تتعلق به مشيئته ، وفيه حجة على القدرية . أو : لو شاء الله لأظهر لهم أية تلجئهم إلى الإيمان ، لكن لم يفعل لخروجه عن الحكمة ، { فلا تكونن من الجاهلين } أي : من الذين يحرصون على ما لم تجر به المقادير ، أي : دم على عدم كونك منهم ولا تقارب حالهم بشدة التحسر . هـ . وقال في نوادر الأصول : إن الخطاب به تربية له ، وترقيةُ من حال إلى حال ، كما يُربَّى أهل التقريب ويُنقلُون من ترك الاختيار ، فيما ظاهرُه بِرٌ وقربة . هـ . قلت : تشديد الخطاب على قدر علو المقام ، كما هو معلوم من الأب الشفيق أو الشيخ الناصح ، وقد قال لنوح عليه السلام : { إِنّيَ أَعِظُكِ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ } [ هُود : 46 ] . وهذا الخطاب أشد لعلو مقامه صلى الله عليه وسلم . الإشارة : كل ما سُلِّيت به الرسل تسَّلى به الأولياء لأنهم ورثتهم الخاصة ، وكل ما أُمرت به الرسل تؤمر به الأولياء ، من الصبر وعدم الحرص ، فليس من شأن الدعاة إلى الله الحرص على الناس ، ولا الحزن على من أدبر عنهم أو أنكر ، بل هم يزرعون حكمة التذكير في أرض القلوب ، وينظرون ما ينبت الله فيها ، اقتداءً بما أُمر به الرسول عليه الصلاة والسلام ـ ، وما تخلق به ، فمن أصول الطريقة : الإعراض عن الخلق في الإقبال والإدبار ، والرجوع إلى الله في السراء والضراء . والله تعالى أعلم . ثم ذكر علَّة إعراضهم ، وهون موت أرواحهم ، فقال : { إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ ٱلَّذِينَ يَسْمَعُونَ } .