Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 37-38)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحقّ جلّ جلاله : { وقالوا } حين سمعوا ذكر البعث والرجوع إلى الله ـ : { لولا نُزل عليه آية من ربه } تدل على ما ادعاه من البعث والرجوع إلى الله ، وعلى أنه رسول من عند الله ، { قل } لهم : { إن الله قادر على أن ينزل آية } خارقة للعوائد ، يرونها عيانًا ، وتضطرهم إلى الإيمان ، { ولكن أكثرهم لا يعلمون } أن إنزالها وبالٌ عليهم لأنهم إن عاينوها ولم يؤمنوا عُوجلوا بالعقاب ، أو : لا يعلمون أن الله قادر على أكثر مما طلبوا ؟ . وهذا الطلب قد تكرر منهم في مواضع من القرآن ، وأجابهم الحق تعالى بأجوبة مختلفة ، منها : ما يقتضي الرد عليهم في طلبهم الآيات لأنهم قد أتاهم بآيات ، وتحصيل الحاصل لا ينبغي ، كقوله : { قّدْ بَيَّنَّا الأَيَاتِ } [ البَقَرَة : 118 ، { أَوَلَمْ يَكُفِهِمْ أَنَّآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ } [ العنكبوت : 51 ] ، ومنها : ما يقتضي الإعراض عنهم لأن الخصم إذا تبين عناده سقطت مكالمته . ويحتمل أن يكون منه قوله هنا : { قل إن الله قادر … } الآية . فإن قيل : كيف طلبوا آية وهم قد رأوا آيات كثيرة ، كانشقاق القمر ، وإخبارهم بالغيب ، وغير ذلك ؟ فالجواب : أنهم لم يعتدوا بما رأوا لأن سر الربوبية لا يظهر إلاَّ ومعه شيء من أردية القهرية ، وهم قد طلبوا آية يدركونها من غير نظر ولا تفكر ، وهو خلاف الحكمة . ثم ذكر دلائل قدرته على البعث وغيره ، فقال : { وما من دابة } تَدِبُّ { في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه } في الهواء ، { إلا أمم أمثالكم } مقدرة أرزاقها ، محدودة آجالها ، معدودة أجناسها وأصنافها ، محفوظة ذواتها ، معلومة أماكنها ، كلها في قبضة الحق ، وتحت قدرته ومشيئته ، فدل ذلك على كمال قدرته وشمول علمه وسعة تدبيره ، فيدل على قدرته على أن ينزل آية ، وعلى بعثهم وحشرهم لأنه عالم بما تنقص الأرض منهم ، كما قال تعالى : { ما فرطنا في الكتاب } أي : اللوح المحفوظ ، { من شيء } فإنه مشتمل على ما يجري في العالم من جليل ودقيق ، لم يهمل فيه أمرَ حيوان ولا جماد ، ظاهرًا ولا باطنًا ، أو القرآن فإنه قد اشتمل على كل ما يحتاج إليه من أمر الدين مفصلاً ومجملاً ، حتى قال بعض السلف : لو ضَاع لي عِقالٌ لوجدتُه في كِتَابِ الله أي : باعتبار العموم وأصول المسائل . قال تعالى : { ثم إلى ربهم يُحشرون } أي : الأمم كلها ، فيُنصف بعضها من بعض . كما رُوِي أنه يُؤخذ للجَمَّاء من القَرنَاء وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال في هذه الآية : يُحشر الخلقُ كلهم يوم القيامة : البهائم والدواب والطير وكل شيء ، فيبلغُ من عَدل الله تعالى أن يأخذ للجماء من القرناء ، ثم يقول : كُوني ترابًا ، فذلك حيث يقول الكافر : { يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا } [ النّبَأ : 40 ] . وفي المسألة اضطراب بين العلماء ، والصحيح هو حشرها ، كما قال تعالى : { وَإِذّا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ } [ التّكوير : 5 ] ، وعن ابن عباس رضي الله عنه : حشرها موتها . والله تعالى أعلم . الإشارة : قد تقدم مرارًا أن طلب الكرامات من الأولياء : لقلة الاعتقاد فيهم وقلة الصدق . وأكمل الكرامات : الاستقامة على التوحيد في الباطن ، وتحقيق العبودية في الظاهر . وبالله التوفيق . ثم قبَّح شأن أهل التكذيب ، فقال : { وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ } .