Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 52-53)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : { فتطردهم } : جواب النفي ، و { فتكون } : جواب النهي ، أي : ولا تطرد فتكون من الظالمين ، فليس عليك من حسابهم شيء فتطردهم . يقول الحقّ جلّ جلاله : لنبيه عليه الصلاة والسلام ـ ، حين طلب منه صناديدُ قريش أن يطرد عنه ضعفاء المسلمين ليجالسوه ، فَهَمَّ بذلك طمعًا في إسلامهم ، فنزلت : { ولا تطرد الذين يدعون ربهم } أي : يعبدونه بالذكر وغيره ، أو يدعونه بالتضرع والابتهال ، { بالغداة والعشي } أي : على الدوام . وخص الوقتين بالذكر لشرفهما . وفي الخبر : " يا ابنَ آدمَ ، اذكُرني أول النهار وآخره ، أكفِكَ ما بينهما " وقيل : صلاة الصبح والعصر ، وقيل : الصلاة بمكة قبل فرض الخمس . قال البيضاوي : بعد ما أمره بإنذار غير المتقين ليتقوا أي : على التفسير الثاني في الآية المتقدمة أمره بإكرام المتقين وتقريبهم ، وألاَّ يطردَهم ، ترضية لقريش ، رُوِي أنهم قالوا : لو طَردتَ هؤلاء الأعبُدِ يُعنُون فقراء المُسلِمِينَ ، كعمَّار وصُهَيب وخبَّاب وبِلال وسَلمان جلَسنا إليك ، فقال : " ما أنا بطاردِ المؤمنين " قالوا : فأقمهُم عنا ، قال : " نَعَم " [ رُوِي أن عمر قال له : لَو فَعَلتَ حتَّى تنظرَ إلى ما يَصِيرُونَ ؟ ] قالوا : فاكتُب بِذَلِكَ كِتَابًا ، فدَعَا بالصَّحِيفَةِ وبَعَليٍّ ليَكتُبَ ، فنزلت . هـ . وفي ذكر سلمان معهم نظر لتأخر إسلامه بالمدينة . ثم وصفهم بالإخلاص فقال : { يريدون وجهه } أي : يدعونه مخلصين طالبين النظر لوجهه ، وفيه تنبيه على أن الإخلاص شرط في الأعمال ، ورتب النهي عليه إشعارًا بأنه يقتضي إكرامهم ، وينافي إبعادهم ، ثم علل عدم طردهم فقال : { ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم } أي : أنت لا تحاسب عنهم ، وهم لا يحاسبون عنك ، فلأي شيء تطردهم ؟ وقيل : الضمير : للكفار ، أي : أنت لا تحاسب عنهم ، وهم لا يحاسبون عنك ، فلا تهتم بأمرهم ، حتى تطرد هؤلاء من أجلهم ، { فتكون من الظالمين } بطردهم ، لكنه عليه الصلاة والسلام لم يفعل ، فلا ظلم يلحقه في ذلك لسابق العناية والعصمة . { وكذلك فتنا بعضهم ببعض } أي : ومثل ذلك الاختبار ، وهو اختلاف أحوال الناس في أمر الدنيا ، { فتنا بعضهم ببعض } أي : ابتلينا بعضهم ببعض في أمر الدين ، فقدّمنا هؤلاء الضعفاء على أشراف قريش بالسبق إلى الإيمان { ليقولوا أهؤلاء مَنَّ الله عليهم من بيننا } أي : أهؤلاء من أنعم الله عليهم بالهداية والتوفيق دوننا ، ونحن الأكابر والرؤساء ، وهم المساكين والضعفاء ، فنحن أحق منهم به إن كان حقًا ، وهذا إنكار منهم لأن يخص هؤلاء من بينهم بإصابة الحق والسبق إلى الخير ، كقولهم { لَوْ كَانَ خَيْرًا مَّا سَبَقُونَآ } [ الأحقاف : 11 ] . واللام في { ليقولوا } : للعاقبة . قال تعالى في الرد عليهم : { أليس الله بأعلم بالشاكرين } أي : بمن يقع منهم الإيمان والشكر فيوفقهم ، وبمن لا يقع منه فيخذُله . وبالله التوفيق . الإشاره : في صحبة الفقراء خيرٌ كثير وسرٌ كبير ، وخصوصًا أهل الصفاء والوفاء منهم ، وفي ذلك يقول الشيخ أبو مدين رضي الله عنه : @ مَا لذّةُ العَيشِ إلاّ صُحبَةُ الفُقَرا هُم السّلاَطين والسَّادَاتُ والأُمَرا فَاصْحَبْهُمُو وتأدَّب في مَجَالِسِهِم وخلِّ حظَّكَ مَهمَا خلَّفُوكَ ورَا @@ إلى آخر كلامه . فلا يحصل كمال التربية والتهذيب إلا بصحبتهم ، ولا تصفوا المعاني إلا بمجالستهم والمذاكرة معهم ، والمراد من دخل منهم بلاد المعاني ، وحصَّل مقام الفناء في الذات ، فالجلوس مع هؤلاء ساعة تعدل عبادة الثقلين سِنين ، ومن شأن شيوخ التربية : العطف على الفقراء والمساكين وتقريبهم ، ولا يطردون أحدًا منهم ولو عمل ما عمل ، اقتداء بما أمر به نبيهم صلى الله عليه وسلم . بل شأنهم الإقبال على من أقبل إليهم ، عصاة كانوا أو طائعين وإقبالهم على العصاة المذنبين أكثر ، جبرًا لكسرهم ، وتألفًا لهم ، وسوقًا لهم إلى الله بملاطفة الإحسان . وبالله التوفيق . ولما أمره بتقريب الضعفاء من المؤمنين ، أمره بإكرامهم بالسلام والبشارة بغفران الآثام ، فقال : { وَإِذَا جَآءَكَ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا } .