Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 56-58)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحقّ جلّ جلاله : { قل } يا محمد : { إني نُهيتُ } أي : نهاني ربي { أن أعبدَ الذين تدعُون } أي : تعبدون { من دون الله } ، أو ما تدعونها آلهة أي : تسمونها بذلك ، وتخضعون لها من دون الله ، { قل } لهم : { لا أتبع أهواءكم } الفاسدة وعقائدكم الزائغة ، { قد ضللتُ } عن الحق { إذًا } أي : إذا اتبعت أهواءكم ، { وما أنا من المهتدين } أي : ما أنا في شيء من الهدى حتى أكون من عدادهم إن اتبعت أهواءكم ، وفيه تعريض بهم ، وأنهم ضالون حائدون عن طريق الهدى ، ليسوا على شيء منها . { قل إني على بيّنة } أي : طريق واضحة { من ربي } تُوصلني إلى تحقيق معرفته ، واستجلاب رضوانه ، أنا ومن اتبعني ، { و } أنتم { كذبتم به } أي : بربي حيث أشركتم به وعبدتم غيره ، أو كذبتم بطريقه حيث أعرضتم عنها ، واستعجلتم عقابه في الدنيا ، { ما عندي ما تستعجلون به } من العذاب أو المعجزات ، { إن الحكم إلا لله } في تعجيل العذاب وتأخيره ، أو في إظهار الآيات وعدم إظهارها ، { يقَصُّ } القصص { الحق } وهو القرآن ، أي : ينزله عليّ لأنذركم به ، أو يقضي القضاء الحق من تعجيل ما يعجل وتأخير ما يؤخر ، فيحكم بيني وبينكم إن شاء ، { وهو خير الفاصلين } أي : القاضين . { قل لو أن عندي } أي : في قدرتي وطوقي { ما تستعجلون به } من العذاب { لقُضي الأمر بيني وبينكم } أي : لأهلكتكم عاجلاً غضبًا لربي ، وانقطع ما بيني وبينكم ، ولكن الأمر بيد خالقكم الذي هو عالم بأحوالكم ، { والله أعلم بالظالمين } أي : عالم بما ينبغي أن يؤخذ عاجلاً ، وبمن ينبغي أن يمهل ، فمفاتح الغيب كلها عنده ، كما سيذكره . الإشارة : قل ، أيها العارف ، المتوجه إلى الله ، المنقطع كليته إلى مولاه ، الغائب عن كل ما سواه : إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله من حب الدنيا ، ومن الرياسة والجاه . قل : لا أتبع أهواءكم لأني قد اجتمعت أهوائي في محبوب واحد ، حين وصلت إلى حضرته ، وتنعمت بشهود طلعته ، فانحصرت محبتي في محبوب واحد ، وفي ذلك يقول القائل : @ كَانَت لِقَلبيَ أهوَاءٌ مُفَرَّقَةٌ فَاستَجمَعَت مُذ رأتكَ العَينُ أهوائِي فَصَارَ يَحسُدُنِي مَن كُنتُ أحسُدُهُ وَصِرتُ مَولَى الوَرَى مُذ صِرت مَولائِي تَرَكتُ لِلنَّاسِ دنياهم ودِينَهُم شُغلاً بِذِكرك يَا دِينِي ودُنيَائِي @@ وقال آخر : @ تَركتُ للنَّاسِ ، ما تَهوَى نُفوسُهم مِن حُبِّ دُنيا ومن عزِّ ومن جَاهِ كذَاكَ تَركُ المقَامَات هُنَا وَهُنَا والقَصدُ غَيبَتُنَا عَمَّا سِوَى اللهِ @@ { قل إني على بينة من ربي } أي : بصيرة نافذة في مشاهدة أسرار ربي ، فقد كذَّبتم بخصوصيتي ، وطلبتم دلائل ولايتي ، ما عندي ما تستعجلون به من الكرامات ، { إن الحكم إلا لله } ، يقضي القضاء الحق ، فيُظهر ما يشاء ، ويُخفي مَن يشاء ، { وهو خير الفاصلين } أي : الحاكمين بين عبادة ، قل لو أن عندي ما تستعجلون به من نفوذ دعوتي في إظهار كرامتي ، لقٌضي الأمر بيني وبينكم ، والله أعلم بالمكذبين بأوليائه . ثم قال تعالى : { وَعِندَهُ مَفَاتِحُ ٱلْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَآ إِلاَّ هُوَ } .