Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 59-59)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : { مفَاتِح } : جمعِ مفتح بكسر الميم مقصور ، من مفتاح ، وهو آلة الفتح ، وهو مستعار لما يتوصل به إلى الغيوب ، أو يفتحها ، وهو المخزن . يقول الحقّ جلّ جلاله : { وعنده مفاتح الغيب } أي : علم المغيبات ، لا يعلمها غيره ، إلا من ارتضى من خلقه ، أو : عنده خزائن علم الغيوب لا يعلمها غيره ، والمراد بها الخمسة التي ذكرها الحق تعالى في سورة لقمان : { إِنَّ اللهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ } [ لقمَان : 34 ] الآية لأنها تعم جميع الأشياء ، وسيأتي الكلام عليها إن شاء الله ، فقد اختص سبحانه بعلم المغيبات { لا يعلمها إلا هو } فيعلم أوقاتها وما في تعجيلها وتأخيرها من الحِكَم ، فيظهرها على ما اقتضته حكمته وتعلقت به مشيئته ، وفيه دليل على أن الله تعالى يعلم الأشياء قبل وقوعها ، وهو أمر ضروري . { ويعلم ما في البر والبحر } من عجائب المصنوعات وضروب المخلوقات على اختلاف أجناسها وأنواعها ، حيها وجامدها ، فيعلم عددها وصفتها وأماكنها ، { وما تسقط من ورقة إلا يعلمها } كيف تسقط ، على ظهرها أو بطنها ، وما يصل منها إلى الأرض وما يتعلق في الهواء ، وهو مبالغة في إحاطة علمه بالجزئيات ، كما تعلق بالكليات ، { ولا حبة في ظلمات الأرض } من حبوب الثمار وبذور سائر النبات ، والرمل ، وغير ذلك من دقائق الأشياء وجلائلها ، { ولا رطب ولا يابس } من الأشجار والنبات والحيوانات التي فيها الحياة والتي فارقتها ، فهي من جنس اليابس ، { إلا في كتاب مبين } أي : علم الله القديم ، أو اللوح المحفوظ ، فعلى الأول ، يكون بدلاً من الاستثناء الأول ، بدل الكل من الكل ، وعلى الثاني : بدل اشتمال . وقرئت بالرفع ، على العطف على محل : { من ورقة } ، أو على الابتداء ، والخبر : { في كتاب مبين } . الإشارة : مفاتح الغيب هي أسرار الذات وأنوار الصفات ، أو أنوار الملكوت وأسرار الجبروت ، لا يعلمها إلا هو ، فما دام العبد محجوبًا بوجود نفسه ، محصورًا في هيكل ذاته ، لا يذوق شيئًا من هذه الغيوب ، فإذا أراد الحق جل جلاله أن يفتح على عبده شيئًا من هذه الغيوب ، غطى وصف عبده بوصفه ، ونعته بنعته ، فغيَّبه عن وجود نفسه ، فصار هو سمعه وبصره وقلبه وروحه ، فيعلم تلك الأسرار به ، لا بنفسه ، فما علم تلك الأسرار غيره ، ويحيط بأسرار الأشياء كلها ، برها وبحرها لأنه يصير خليفة الله في أرضه . وقال الورتجبي : غَيبُه ذاته القدسية ، وهي خزانة أسرار الأزل والأباد ، ومفاتحها : صفاتها الأزلية ، لا يعلم صفاته وذاته بالحقيقة إلا هو تعالى بنفسه ، فَنَفى الغير عن البين ، حيث لا حيث ولا بين . انظر تمامه فيه . ومن جملة الغيوب التي إختص الله بها : انقضاء الأجل كما أشار إلى ذلك بفقوله : { وَهُوَ ٱلَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِٱللَّيْلِ } .