Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 60-62)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحقّ جلّ جلاله : { وهو الذي يتوفاكم } أي : يقبض أرواحكم { بالليل } إذ نمتم ، وفي ذلك اعتبار واستدلال على البعث الأخروي ، { ويعلم ما جَرَحتم } أي : ما كسبتم من الأعمال { بالنهار } ، وخص الليل بالنوم والنهار بالكسب جريًا على المعتاد ، { ثم إذا } توفاكم بالليل { يبعثكم فيه } أي : في النهار ، { ليُقضى أجل مُسمى } أي : ليبلغ المتيقظ آخر أجله المسمى له في الدنيا ، وهو أجل الموت ، { ثم إليه مرجعكم } بالموت { ثم يُنبئُكم بما كنتم تعملون } فيعاتب المسيء ويكرم المحسن . رُوِي : أن العبد إذا قُبض عَرجت الملائكة برُوحه إلى سِدرة المنتهَى ، فيُوقف به هناك ، فيُعاتبه الحق تعالى على ما فرط منه حتى يَرفَضَّ عرقًا ، ثم يقول له : قد غفرتُ لك ، اذهبوا به ليرى مقعدَه في الجنة ، ثم يُردّ إلى السؤال . { وهو القاهر فوق عباده } بالقهر والغلبة ، { ويُرسل عليكم حفظةً } ملائكة تحفظ أعمالكم ، وهم الكرام الكاتبون ، والحكمة فيه : أن العبد إذا علم أن أعماله تكتب عليه وتُعرض على رؤوس الأشهاد ، كان أزجر له عن المعاصي ، ثم لا تزال الملائكة تكتب عليه أعماله { حتى إذا جاء أحدَكُم الموتُ توفتهُ رسُلنا } أي : ملك الموت وأعوانه ، { وهم لا يٌفرطون } بالتواني التأخير ، ولا يجاوزون ما حد لهم بالتقديم والتأخير . { ثم رُدّوا إلى الله } أي : إلى حُكمه وجزائه ، أو مشاهدته وقربه ، { مولاهم } الذي يتولى أمرهم ، { الحقِّ } أي : المتحقق وجوده ، وما سواه باطل ، { ألا له الحُكم } يومئذٍ ، لا حكم لغيره فيه ، { وهو أسرع الحاسبين } يحاسب الخلائق في مقدار حلب شاة ، لا يشغله حساب عن حساب ، ولا شأن عن شأن ، سبحانه لا إله إلا هو . الإشارة : وهو الذي يتوفاكم ، أي : يخلصكم بليل القبض ، ويعلم ما كسبتم في نهار البسط ، ثم يبعثكم من ليل القبض إلى نهار البسط ، وهكذا ليقضى أجل مسمى للإقامة فيهما ، ثم إليه مرجعكم بالخروج عنهما لتكونوا لله لا شيء دونه ، وفي الحكم : " بسطك كي لا يبقيك مع القبض ، وقبضك كي لا يتركك مع البسط ، وأخرجك عنهما ، كي لا تكون لشيء دونه " . وقال فارس رضي الله عنه : القبض أولاً ثم البسط ، ثم لا قبض ولا بسط لأن القبض والبسط يقعان في الوجود أي في وجود النفس ، وأما مع الفناء والبقاء فلا . هـ . أي : فلا قبض ولا بسط لأن العارف الواصل مقبوض في بسطه ، مبسوط في قبضه ، لا تؤثر فيه هواجم الأحوال لأنه مالك غير مملوك . والله تعالى أعلم . ومن علم أن الله قاهر فوق عباده ، انسلخ من حوله وقوته ، وانعزل عن تدبيره واختياره لإحاطة القهرية به ، ومن تحقق عموم قهاريته تعالى ، علم أنه لا حجاب حسي بينه وبينه ، إذ لو حجبه شيء لستره ما حجبه ، ولو كان له ساتر لكان لوجوده حاصر ، وكل حاصر لشيء فهو له قاهر ، وهو القاهر فوق عباده ، وإنما المحجوب : العبد عن ربه بوجود وهمه وجهله ، ومن تحقق أن الملائكة تحفظ أعماله استحيا من ارتكاب القبائح ، لئلا تعرض على رؤوس الأشهاد . ثم أمرهم بالرجوع إليه عند الشدائد ، فقال : { قُلْ مَن يُنَجِّيكُمْ مِّن ظُلُمَاتِ ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ } .