Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 84-90)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : الضمير في { ذريته } لإبراهيم عليه السلام لأن الحديث عليه ، أو لنوح عليه السلام لذكر لوط ، وليس من ذرية إبراهيم ، لكنه ابن أخيه فكأنه ابنه ، و { داود } : عطف على { نوح } أي : وهدينا من ذريته داود ، و { من آبائهم } : في موضع نصب ، عطف على { نوح } أي وهدينا بعض آبائهم ، والهاء في { اقتده } : للسكت ، فتحذف في الوصل ، ومن أثَبتها راعَى فيها خط المصحف ، وكأنه وصلَ بنية الوقف . يقول الحقّ جلّ جلاله : { ووهبنا } لإبراهيم { إسحاق } ابنه ، { ويعقوب } حفيده ، { كُلاًّ } منهما { هدينا } { ونوحًا } قد هديناه { من قبل } إبراهيم ، وعدَّه نعمة على إبراهيم من حيث إنه أبوه ، وشَرفُ الوالد يتعدَّى إلى الولَد ، { ومن ذريته } أي : إبراهيم ، { داود } بن أيشا ، { وسليمان وأيوب } بن قوص بن رَازَح بن عيصُو بن إسحاق { ويوسف } بن يعقوب بن إسحاق ، { وموسى وهارون } ابنا عمران بن يصهر بن فاهث بن لاوي بن يعقوب . { وكذلك نجزي المحسنين } أي : نجزي المحسنين جزاء مثل ما جازينا إبراهيم برفع درجاته وكثرة أولاده ، وجعل النبوة فيهم . { وزكريا } بن آذنِ بن بَركيَا ، من ذرية سليمان ، { ويحيى } بن زكريا ، { وعيسى } ابن مريم بنت عمران ، وفيه دليل على أن الذرية تتناول أولاد البنت ، { وإلياس } بن نُسى فنحاص بن إلعَازر بن هارون . وقيل : هو إدريس جَد نوح ، وفيه بُعد . { كلٌّ من الصالحين } الكاملين في الصلاح ، وهو الإتيان بما ينبغي والتحرز مما لا ينبغي . { وإسماعيل } بن إبراهيم ، قد هدينا أيضًا ، وهو أكبر ولد إبراهيم ، وهو ابن هاجر ، { واليسع } بن أخطوب بن العجوز ، وقرىء : " والليسع " بالتعريف ، كَأن أصله : ليسع ، و " أل " فيه : زائدة ، لا تفيد التعريف لأنه علَم ، { ويونس } بن متى ، اسم أبيه ، وهو من ذرية إبراهيم ، خلافًا للبيضاوي . قال القرطبي : لم يبعث الله نبيًا من بعد إبراهيم إلا من صُلبه . هـ . ويونس مثلث النون كيوسف ، يعني بتثليث السين . { ولوطًا } هو ابن هاران أخى إبراهيم ، فهو ابن أخيه ، وقيل : ابن أخته ، فقد يُطلق على العم أب مجازًا ، { وكُلاًّ فضلنا على العالمين } أي : عالَمِي زمانِهم بالنبوة والرسالة ، فكل واحد فِضِّل على أهل زمانه . { ومن آبائهم وذرياتهم وإخوانهم } أي : فضَّلنا هؤلاء وبعض آبائهم وذرياتهم ، أو هدينا هؤلاء وبعض آبائهم وذرياتهم وإخوانهم ، { واجتبيناهم } أي : اخترناهم للرسالة واصطفيناهم للحضرة ، { وهديناهم إلى صراط مستقيم } الذي يُوصل إلى حضرة قدسنا . { ذلك هُدَى الله } أي : ذلك الدين الذي دانوا به هو هدى الله { يهدي به } أي : بسببه ، { من يشاء من عباده ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون } ، تحذيرًا من الشرك ، وإن كانوا معصومين منه . { أولئك الذين آتيناهم الكتاب } أي : جنس الكتب ، { والحُكم } أي : الحكمة ، أو الفصل بين العباد ، على ما يقتضيه الحق ، { والنبوة } الرسالة { فإن يكفر بها هؤلاء } : أهل مكة ، { فقد وكَّلنا بها } أي : بالإيمان بها والقيام بحقوقها ، { قومًا ليسوا بها بكافرين } وهُم الأنبياء المذكورون ، وتابعوهم ، وقيل : الصحابة المهاجرون والأنصار ، وهو الأظهر . وقيل : كل مؤمن ، وقيل : الفرس . والأول أرجح لدلالة ما بعده عليه ، وهو قوله : { أولئك الذين هَدى الله } ، الإشارة إلى الأنبياء المذكورين ، { فبهداهم اقتَدِه } أي : اتبع آثارهم ، والمراد بهديهم : ما توافقوا عليه من التوحيد وأصول الدين ، دون الفروع المختلف فيها ، فإنها ليست هدى مضافًا إلى الكل ، ولا يمكن التأسِّي بهم جميعًا فليس فيه دليل على أنه عليه الصلاة والسلام متعبّد بشرع مَن قبله . قاله البيضاوي . { قل لا أسألُكم عليه } أي : التبليغ أو القرآن ، { أجرًا } أي : جُعلاً من جهتكم ، كحال الأنبياء قبلي اقتداء بهم فيه ، فهو من جملة ما أمر بالاقتداء بهم فيه ، { إن هو } أي : ما هو ، أي : التبليغ أوالقرآن ، { إلا ذكرى للعالمين } إلا تذكرة وموعظة لهم . الإشارة : فُضَّل هؤلاء السادات على أهل زمانهم بما هداهم إليه من أنوار التوحيد وأسرار التفريد ، وبما خصهم به من كمال العبودية والآداب مع عظمة الربوبية . وفي قوله لحبيبه : { فبهداهم اقتده } فتح لباب اكتساب التفضيل ، فكلَّ مَن اقتدَى بهم فيما ذُكر شُرِّف على أهل زمانه ، وقد جمع في حبيبه صلى الله عليه وسلم ما افترق فيهم ، وزاد عليهم بالمحبة ورفع الدرجات ، فكان هو سيد الأولين والآخرين ، فكل من اقتدى به في أفعاله وأقواله وأخلاقه نال من السيادة بقدر اقتدائه ، وأمرُه سبحانه له بالاقتداء بهم ، إنما هو في الآداب ، وكان ذلك قبل أن يتَرقَّى عنهم إلى مقامه الذي خصَّه الله به . للأنبياء سيرًا وتَرَقِّيَا يليق بهم . كما للأولياء سيرٌ وتَرَقٍّ يليق بهم . قال الورتجبي : أمَر حبيبَه عليه الصلاة والسلام بالاقتداء بالأنبياء والرسل قبلَه في آداب الشريعة ، لأن هناك منازلَ الوسائط ، فإذا أوصله بالكُلِّية إليه ، وكَحّل عيون أسراره بكُحل الربوبية ، جعَله مستقلاً بذاته مستقيمًا بحاله ، وخرج عن حَدِّ الإرادة إلى حد المعرفة والاستقامة ، وأمره بإسقاط الوسائط ، حتى قال : " لَو كَانَ مُوسَى حَيًا ما وَسِعَهُ إلاَّ اتّبِاعي " ، وغير ذلك . هـ . وقال الشاذلي رضي الله عنه : أمَره بالاقتداء بهم فيما شاركوه فيه ، وإن انفرد عنهم بما خُصَّ به . هـ . ولمّا ذكر مشاهير الرسل ، وما أتحفَهم به من الهداية وإنزال الوحي ، رد على من أنكر ذلك ، فقال : { وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ } .