Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 91-91)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحقّ جلَ جلاله : في الرد على اليهود : { وما قدروا الله حق قدره } أي : ما عَرفُوه حق معرفته في الرحمة والإنعام على العباد بالوحي وغيره ، إذ لو عرفوه لَهابُوا أن يُنكروا بعثة الرسل ، أو ما جَسَرُوا على هذه المقالة ، أو ما عظموه حق تعظيمه . حيث كذَّبوا رسله وأنكروا أن يكون أنزل عليهم كتابًا ، إذ لو عظِّموه حق تعظيمه لصدَّقوا الرسول الوارد عنه ، وهو معنى قوله : { إذ قالوا ما أنزل الله على بَشَرٍ من شيء } ، والقائلون هم اليهود ، كفنحاص ومالك بن الصيف وغيرهما ، قالوا ذلك مبالغة في إنكار إنزال القرآن ونبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، فردَّ الله عليهم بما لا بدَّ لهم من الإقرار به وهو إنزال التوراة على موسى فقال : { قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورًا وهُدًى للناس } ، فالنور للبواطن ، والهداية للظواهر ، { تجعلونه } أي : التوارة ، { قراطيسَ } أي : تُجَزِّؤُونه أجزاء متفرقة ، ما وافقَ أهواءكم أظهرتموه وكتبتموه في ورقات متفرقة ، وما خالف أهواءكم كتمتموه وأخفيتموه . رُوِي أنَّ مَالك بنَ الصَّيفِ قاله ، لَمّا أغضَبَهُ النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : " أُنشدُكُ الله الذي أنزَلَ التَّورَاة عَلَى مُوسَى ، هَل تجِد فيها أنَّ الله يبغضَ الحَبرَ السَّمِين ، فَأنتَ الحَبرُ السّمِين " ، فغَضب ، وقال : ما أنزَلَ الله علَى بَشَرٍ مِن شَيء ، فَرَّدّ الله عَلَيهِ بِما تقَّدم . وقيل : القائلون ذلك : المشركون ، وإلزامهُم بإنزال التوراة لأنه كان مشهورًا عندهم يُقِرُّون به ، ولذلك قالوا : { أَوْ تَقُولُواْ لَوْ أَنَّآ أُنزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّآ أَهدى مِنْهُمْ } [ الأنعَام : 157 ] . { وعُلِّمتُم } على لسان محمد صلى الله عليه وسلم { ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم } ، زيادة على ما في التوراة وبيانًا لما التبس عليكم وعلى آبائكم الذين كانوا أعلم منكم . ونظيرهُ : { إِنَّ هَذَا الْقُرْءَانَ يَقَصُّ عَلَى بَني إِسْرَاءِيلَ أَكْثَرَ الِّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } [ النَّمل : 76 ] أو : وعُلِّمتم من التوراة ما لم تكونوا تعلَّمتم أنتم ولا آباؤكم قبل إنزاله ، وإن كان الخطاب لقريش فالذي عُلِّموه : ما سمعوا من النبي صلى الله عليه وسلم من القَصص والأخبار . ثم أجاب عن استفهامه بقوله : { قُل اللهُ } أي : أنزلَه الله ، أو الله أنزله . قال البيضاوي : أمره بأن يجيب عنهم إشعارًا بأن الجواب بهذا مُتَعيّن لا يمكن غيرُه ، وتنبيهًا على أنهم بُهتُوا بأنهم لا يقدرون على الجواب هـ . { ثم ذَرهُم في خوضهم يلعبون } في أباطيلهم . فلا عليك بعد التبليغ وإلزام الحجة ، وأصلُ الخَوض في الماء ، ثم أستُعير للمعاني المُشكِلة ، وللقلوب المتفرقة في أودية الخواطر . الإشارة : يُفهَم من الآية أنَّ من أقَرَّ بإنزال الكتب وآمن بجميع الرسل ، فقد قَدَر الله حق قدره وعظَّمه حق تعظيمه . وهذا باعتبار ضعف العبد وعجزه وجهله وإلاَّ فتعظيم الحق حق تعظيمه ، ومعرفته حق معرفته ، لا يمكن انتهاؤها ، ولا الوصول إلى عشر العشر منها . قال تعالى { وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا } [ طه : 110 ] ، وقال : { كَلاَّ لَمَّا يَقْضِ مَآ أَمَرَهُ } [ عَبَسَ : 23 ] فلو بقي العبد يترقى في المعرفة أبدًا سرمدًا ، ما عرف الله حق معرفته ، حتى ينتهي إلى غايتها ، ولو بقي يعبد أبد الأبد ما قام بواجب حقه . وقوله تعالى : { قل الله } استشهد به الصوفيةُ ، في طريق الإشارة ، على الانفراد والانقطاع إلى الله ، وعدم الالفتات إلى ما عليه الناس من الخوض والاشتغال بالأغيار والأكدار ، والخروج عنهم إلى مقام الصفا ، وهو شهود الفردانية ، والعكوف في أسرار الوحدانية . قال ابن عطاء الله لما تكلم على أهل الشهود قال : لأنهم لله لا لشيء دونه ، { قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون } . وقد يُنكِر عليهم من لم يفهم إشارتهم ، تجمدًا ووقوفًا مع الظاهر ، وللقرآن ظاهر وباطن لا يعرفه إلا الربانيون . نفعنا الله بهم ، آمين . ثم قرر صحة إنزال كتابه به ، فقال : { وَهَـٰذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ } .