Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 61, Ayat: 10-14)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحق جلّ جلاله : { يا أيها الذين آمنوا هل أَدُلُّكُمْ على تجارةٍ تُنجِيكم من عذابٍ أليم } ، وكأنهم قالوا : وما هذه التجارة ، أو : ماذا نصنع ؟ فقال : { تؤمنون بالله ورسوله وتُجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفُسِكم } ، وهو خبر بمعنى الأمر ، أي : وجاهِدوا ، وجيء به بصيغة الخبر للإيذان بوجوب الامتثال ، فكأنه قد وقع ، فأخبر بوقوعه ، وقرىء " تؤمنوا " و " تجاهدوا " على إضمار لام الأمر . { ذالكم خير لكم } ، الإشارة إلى الإيمان والجهاد بقِسْميه ، أي : هو خير لكم من أموالكم وأنفسكم { إن كنتم تعلمون } أنه خير لكم ، وقد قلتم : لو نعلم أيّ الأعمال أحب إلى الله لسارعنا ، فهذا هو أحب الأعمال إلى الله ، أو : إن كنتم من أهل العلم فإنَّ الجهلة لا يعتد بأفعالهم . { يَغفر لكم ذنوبكم } : جواب للأمر المدلول بلفظ الخبر ، على قول ، أو شرط مقدّر ، أي : إن تُؤمنوا وتُجاهدوا يغفر لكم ذنوبكم { ويُدْخِلْكم جناتٍ تجري مِن تحتها الأنهارُ ومساكنَ طيبةً } ولا تطيب إلاّ بشهود الحبيب { في جناتِ عَدْن } أي : إقامة لا انتقال عنها . وجنة عدن هي مدينة الجنة ووسطها ، يسكنها الصالحون الأبرار من العلماء والشهداء ، وفوقها الفردوس ، هي مسكن الأنبياء والصدِّيقين من المقربين ، هذا هو المشهور ، كما في الصحيح ، { ذلك الفوزُ العظيمُ } أي : ما ذكر من المغفرة وإدخال الجنة الموصوفة بما ذكر من الأوصاف الجليلة هو الفوز الذي لا فوز وراءه . { وأُخرى } أي : ولكم إلى هذه النعمة العظيمة نعمةٌُ أخرى عاجلة { تُحبونها } وترغبون فيها ، وفيه شيء من التوبيخ على محبة العاجل . ثم فسَّرها بقوله : { نصرٌ من الله وفتحٌ قريبٌ } أي : عاجِل ، وهو فتح مكة ، والنصر على قريش ، أو فتح فارس والروم ، أو : هل أَدُلكم على تجارةٍ تُنجيكم ، وعلى تجارةٍ تُحبونها ، وهي نصر وفتح قريب ، { وبَشِّر المؤمنين } : عطف على " تؤمنوا " لأنه في معنى الأمر كأنه قيل لهم : آمنوا وجاهِدوا يُثبكم الله وينصركم وبشر أيها الرسول بذلك المؤمنين . { يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصارَ الله } أي : أنصار دينه { كما قال عيسى ابنُ مريمَ للحواريين مَنْ أنصاري إِلى الله } ؟ أي : مَن يكون مِن جندي ومختصاً بي ، متوجهاً إلى الله . ظاهره تشبيه كونهم أنصاراً بقول عيسى : { مَن أنصاري إلى الله } ولكنه محمول على المعنى ، أي : كونوا أنصارَ الله ، كما كان الحواريون أنصارَ عيسى ، حينما قال لهم : مَن أنصاري إلى الله ؟ { قال الحواريون نحن أنصارُ الله } أي : نحن الذين ينصرون دينه ، والحواريون : أصفياؤه ، وهم أول مَن آمن به من بني إسرائيل ، قاله ابن عباس ، وقيل : كانوا اثني عشر رجلاً . وحواري الرجل : صفوته وخاصته من الحَور ، وهو البياض الخالص ، وقيل : كانوا قصّارين يُحوِّرون الثياب ، أي : يُبيّضونها ، وقيل : إنما سُمُّوا حواريين لأنهم كانوا يُطهرون النفوس بإقامتهم الدين والعلم ، ولمَّا كفرت اليهود بعيسى عليه السلام ، وهَمُّوا بقتله ، فرَّ مع الحواريين إلى النصارى بقرية يُقال لها : نصرى ، فنصوره ، فقاتل اليهودَ بهم مع الحواريين ، وهذا معنى قوله تعالى : { فآمنت طائفةٌ من بني إسرائيل وكفرت طائفةٌ } به ، فقاتلوهم { فإيَّدنا الذين آمنوا } بعيسى عليه السلام { على عدوهم } أي : قوّيناهم { فأصبحوا ظاهِرين } غالبين عليهم . الإشارة : هل أّدلُكم على تجارةٍ ، وهي سلوك طريق التربية ، على أيدي الرجال ، تُنجيكم من عذاب أليم ، وهو غم الحجاب على الدوام تؤمنون بالله ورسوله أولاً ، وتجاهدون هواكم وسائرَ العلائق بأموالكم وأنفسكم ثانياً فالأموال تدفعونها لمن يدلكم على ربكم ، والأنفس تُقدمونها لمَن يُربيكم ، يَتحكم فيها بما يشاء { في سبيل الله } في الطريق الموصلة إلى حضرته ، { ذالكم خير لكم إن كنتم تعلمون } أي : إن كان لكم علم وعقل ، فهذا خير لكم ، يغفر لكم ذنوبكم ، أي : يُغطي مساوئكم ، فيُغطي وصفكم بصوفه ، ونعتكم بنعته ، فيُوصلكم بما منه إليكم ، لا بما منكم إليه ، ويُدخلكم جنات المعارف ، تجري من تحتها أنهار العلوم ، ومساكن طيبة هي السكنى والأطمئنان في مقامات اليقين ، مع شهود رب العالمين ، أو روح الرضا وريحان التسليم ، أو الإقامة في حضرة القدس ، مع التنزُّه في المقامات ، في جنات عدن ، وهي الرسوخ والإقامة في جنات المعارف ذلك الفوز العظيم . { وأُخرى تحبونها } عاجلة ، { نصر من الله } : عِزٌّ دائم ، { وفتح قريب } هو دخول بلاد المعاني . وقال القشيري : الفتح القريب : الرؤية والزلفة ، ويقال : الشهود ، ويقال : الوجود أبد الأبد . هـ . { وبَشِّر } بأنهم ظافرون بهذا ، إن فعلوا ما أُمروا به . وقال الورتجبي : نصر الله : تأييده الأزلي ، الذي سبق للعارفين والموحِّدين ، والفتح القريب : كشف نقابه وفتح أبواب وِصاله ، بنصره ظهروا على نفوسهم ، فقهروها وبفتحه أبواب الغيب شاهَدوا كل مغيب مستور من أحكام الربوبية وأنوار الألوهية . هـ . وباقي الآية يُرغب في القيام في نصر الدين ، وإرشاد العباد إلى الله ، حتى تظهر أنوار الدين ، وتخمد ظلمة المعاصي والبِدَع من أقطار البلاد ، وبالله التوفيق ، وصلّى الله على سيدنا محمد وآله وسلّم .