Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 62, Ayat: 1-4)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحق جلّ جلاله : { يُسَبِّحُ لله ما في السموات وما في الأرض } ، وهذا التسبيح إمّا أن يكون : تسبيح خِلقة ، يعني : أنك إذا نظرت إلى شيء دلتك خِلقتُه على وحدانيته تعالى ، وتنزيهِه عما لا يليق به ، وإمّا أن يكون تسبيح معرفة بأن يخلق في كل شيء ما يعرفه به تعالى وينزّهه ، ألا ترى إلى قوله تعالى : { وَإِن مِن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِحُ بحَمدِهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُون تَسْبِيحَهُمْ } [ الإسراء : 44 ] ، أو : تسبيح ضرورة ، بأن يُجري اللهُ التسبيحَ على كل جوهر من غير معرفةٍ له بذلك . قاله النسفي . { الملكِ القُدُّسِ } أي : المنزَّه عما لا يليق به من الكمالات . ولا يُقال : المنزّه عن النقائص إذ لا يصح اتصافه بها حتى تُنفى عنه ، وربما يكون نقصاً في حقه ، كما يُقال : الملِك ليس بجزار . { العزيزِ الحكيمِ } وقرئت هذه الصفات الأربع بالرفع على المدح . { هو الذي بَعَثَ في الأميين رسولاً منهم } أي : بعث رجلاً أُميًّا في قوم أميين ، وقيل : { منهم } : من أنفسهم ، يعلمون نَسَبه وأحواله وصِدْقَه . والأُمي : منسوب إلى أميّة العرب لأنهم لايقرؤون ولا يكتبون من بين الأمم . قيل . بُدئت الكتابة في العرب بالطائف وهم أخذوها من أهل الحيرة ، وأهل الحيرة من أهل الأنبار . { يتلو عليهم آياته } القرآن { ويُزكِّيهم } يطهرهم من الشرك وخبائث الجاهلية ، { ويُعَلّمهم الكتابَ } القرآن { والحكمةَ } السُنَّة ، أو الفقه في الدين ، أو إتقان العلم والعمل ، { وإِن كانوا من قبلُ لفي ضلالٍ مبين } كفر وجهالة . و " إن " مخففة ، أي : وإن الشأن كانوا في ضلال فظيع ، وهو بيان لشدة افتقارهم لمَن يرشدهم ، وإزاحة لِمَا عسى أن يتوهم مِن تعلُّمه صلى الله عليه وسلم مِن الغير إذ كلهم كانوا مغروقين في الجهل والضلال ، ليس فيهم مَن يعلم شيئاً . { وآخرين منهم } : عطف على " الأميين " أي : بعث في الأميين ، الذين في عصره ، وفي آخرين من الأميين { لَمَّا يلحقوا بهم } أي : لم يلحقوا بهم بعدُ ، وسيلحقون ، وهم الذين يأتون بعد الصحابة إلى يوم القيامة ، وقيل : هم العجم ، أي : وآخرين من جنسهم ، وقيل : عطف على " يُعلّمهم " أي : يُعلّم أخرين منهم ، وعلى كلِّ فدعوته صلى الله عليه وسلم عامة . { وهو العزيزُ الحكيم } المبالغ في العزة والحكمة ، ولذلك مكَّن رجلاً أميًّا من ذلك الأمر العظيم ، واصطفاه من بين كافة البشر . { ذلك } الذي امتاز به محمد صلى الله عليه وسلم من بين سائر البشر { فضلُ الله } وإحسانه ، أو : ذلك التوفيق حتى يؤمنوا من فضل الله ، لا باستحقاق ، أو الاعتناء بالبعث وعدم الإهمال ، مع ما حصل منه من النتائج المذكورة ، فضل من الله ، وقطع الأسباب في الجملة في استحقاق الفضل إذ علقه بالمشيئة في قوله : { يؤتيه مَن يشاء } تفضُّلاً وعطية ، { والله ذو الفضل العظيم } الذي يُستحقر دونه نِعم الدنيا والآخرة . الإشارة : كل مَن لم يعرف الله معرفةَ العيان ، فهو من الأميين ، فكما مَنَّ الله تعالى على عباده ببعثه الرسول ، بعد أن كانوا في ضلالٍ مبين ، كذلك مَنَّ على أمته بعده ، فبَعَثَ مشايخَ التربية يتلو عليهم آياته الدالة على شهوده وظهوره ، ويزكيهم من الرذائل التي تحجبهم عن الله ، ويُعلّمهم أسرارَ الكتاب ، وأسرارَ الحكمة ، وهي الشريعة ، إذ لا يوقف على أسرارهما إلاّ بعد تطهير القلوب ، وتزكية النفوس ، وإن كانوا من قبل ملاقاة المشايخ لفي ضلال مبين ، حائدين عن طريق الشهود ، وبعث أيضاً في آخرين منهم من يُذكِّرهم ويُعرفهم بالله ، وهكذا لا ينقطع الداعي إلى يوم القيامة ، لكن لا يصل إليه إلاّ مَن أراد الله أن يوصله إليه ، ولذلك قال : { ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء … } الآية . ولمَّا خَصَّ اللهُ العربَ بهذه المزية العظمى ، قالت اليهود : نحن أهل الكتاب ، وفينا العلم قبلكم ، فأنزل الله تعالى : { مَثَلُ ٱلَّذِينَ حُمِّلُواْ ٱلتَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا } .