Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 62, Ayat: 5-8)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحقّ جلّ جلاله : { مَثَلُ } اليهود { الذين حُمِّلُوا التوراةَ } أي : كُلِّفوا علمها ، والعمل بما فيها ، { ثم لم يحملوها } لم يعملوا بما فيها ، فكأنهم لم يحملوها ، { كَمَثَلِ الحمارِ يحمل أسفاراً } جمع سفر ، وهو الكتاب الكبير ، شَبّه اليهودَ بالحمار ، فإنهم حملة التوراة وقُرّاؤها وحُفّاظ ما فيها ، ثمّ لم يعملوا بها ، ولم ينتفعوا بآياتها ، وذلك : أنَّ فيها بعث رسولِ الله صلى الله عليه وسلم والبشارة به ، فلم يؤمنوا ، فهم أشبه شيء بحمار حمل كُتباً كباراً من كتب العلم ، فهو يشمي بها ، ولا يدري منها إلاَّ ما يلحقه من الكدّ والتعب . وفي التلخيص : وَجْهُ الشَبَه : حرمان الانتفاع بأبلغ نافع ، مع تحمُّل التعب في استصحابه ، وكل مَن عَلِمَ ولم يعمل بعلمه فهذا مثلُه . قال الطيبي : لمّا تمسكت اليهود بقوله : " في الأميين " لأنه خاص بالعرب أتبعه بضرب المثل لمَن تمسّك بهذه الشبهة وترك الدلائل الواضحة المسطورة بعموم البعثة ، وأنه كالحمار يحمل أسفاراً ، ولا يدري ما حمل ، ولا ما فيه . هـ . وجملة " يحمل " حال ، والعامل فيها ، معنى المثل ، أو : صفة للحمار إذ ليس المراد به معيناً فهو كقوله : @ ولقد أَمُرُّ على اللئيم يَسُبُّني … @@ { بئس مثلُ القومِ الذين كذّبوا بآيات الله } أي : بئس مثلاً مثل القوم الذين كذّبوا ، أو بئس مثل القوم المكذِّبين مثلهم ، وهم اليهود الذين كذّبوا بآيات الله الدالة على صحة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، { واللهُ لا يهدي القوم الظالمين } وقت اختيارهم الظلمَ ، أو : لا يهدي مَن سبق في علمه أنه يكون ظالماً ، أو الظالمين لأنفسهم بتعريضها للعذاب الخالد . { قل يا أيها الذين هادوا إِن زعمتم أنكم أولياءُ لله من دون الناس فتَمَنَّوا الموتَ إِن كنتم صادقين } ، كانوا يقولون : { نَحْنُ أَبْنَاءُ ٱللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ } [ المائدة : 18 ] ، أي : إن كان قولكم حقًا ، وكنتم على ثقة فتمنُّوا على الله أن يُميتمكم ويبعثكم سريعاً إلى دار كرامته ، التي أعدّها لأوليائه ، فإنّ الحبيب يُحب لقاء حبيبه ، وينتقل من دار الأكدار ، إلى دار السرور والهناء ، قال تعالى : { ولا يتمنونه أبداً بما قدمت أيديهم } من الكفر والمعاصي الموجبة للنار . والباء متعلقة بما يدل عليه النفي ، أي : يأبون ذلك بسبب ما قدمت أيديهم ، { والله عليم بالظالمين } أي : بهم . وإيثار الإظهار في موضع الإضمار لذمهم والتسجيل عليهم بالظلم في كل ما يأتون وما يذرون من الأمور ، التي من جملتها ادعاء ما هم عنه بمعزل من ولاية الله . ثم إنهم لم يجسر أحدٌ منهم أن يتمناها ، بل فرٌّوا منها ، كما قال تعالى : { قل إِنَّ الموت الذي تفرون منه } ولم تجسروا أن تتمنوه خيفة أن تؤخذوا بوبال كفركم ، { فإنه مُلاقيكم } لا محالة ، من خير صارف يلويه ، ولا عاطف يُثنيه ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : " لو تَمَنَّوه لماتوا من ساعتهم " ، وهذه إحدى المعجزات . ودخلت الباء في خبر " إن " مع أنه لا يجوز : إن زيداً فمنطلق لأنَّ " الذي " قد عُرف فيه معنى الشرط والجزاء ، كأنه قيل : إن فررتم من أي موت كان من قتال أو غيره ، فإنه ملاقيكم ، { ثم تُرَدُّون إلى عالم الغيب والشهادة } الذي لاتخفى عليه خافية ، { فيُنبئكم بما كنتم تعملون } من الكفر والمعاصي ، بأن يجازيكم عليها . قال الكواشي : أكذب اللهُ اليهودَ في ثلاث ، افتخروا بأنهم أولياء الله فكذبهم بقوله : { فتَمنَّواالموتَ } وبأنهم أهل الكتاب والعرب لا كتاب لهم ، فشُبِّهوا بالحمار يحمل أسفاراً ، وبالسبت ، وأنه ليس للمسلمين مثله ، فجعل الله لهم الجمعة . هـ . ولذلك ذكرها بإثر تكذيبهم . الإشارة : مَثَلُ الذي يقرأ القرآن ويتلوه ولا يتدبّر معانيه ، أو يقرأ العلم ولا يعمل به ، كمثل الحمار … الخ . وعُروض الموت على النفس ، أو العمل أو الحال ، ميزان صحيح ، فكل حال وعمل ، أو شخص هزمه الموت فهو معلول ، وحب البقاء للترقِّي والتوسعة في المعرفة محمود ، وغيره مذموم ، وقد تقدّم في البقرة تفصيل ذلك ، فراجعه إن شئت . وأمّا تمني الموت فقد نُهي عنه ، إلاّ لخوف الفتنة ، فقد قال ابن عباس لعمر رضي الله عنهما : ما لك تُكثر الدعاء بالموت ؟ وما الذي مَلِلت من العيش ؟ أما تُقوّم فاسداً وتعين صالحاً ؟ فقال عمر : يا بن عباس ! كيف لا أتمنى الموت ، وأطلب القدوم على الله ، ولست أرى في الناس إلاّ فاتحاً فاه لِلعدة من الدنيا إمّا بحق لا يثق به ، أو بباطل لا يناله ، ولولا أن يسألني ربي عن الناس لفررت منهم ، وتصبح الأرض مني بلاقع . هـ . وقيل لسفيان الثوري : لِمَ تتمنَّ الموت ، وقد نهى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عنه ؟ فقال : إن سألني ربي عن ذلك أقول : لثقتي بك يا رب ، وخوفي من الناس ، ثم أنشد : @ قد قلتُ لمّا مَدَحوا الحياة وأسرفوا في الموت ألف فضيلة لا تُعرف فيهـا أمـان لقــائــه بلقــائـه وفـراق كـل معـاشــرِ لا يُنصِــف @@ وقال طاوس : لا يحرز المرء إلاَّ حفرته ، وأنشدوا : @ يبكي الرجـالُ علـى الحياة وقـد أفـنى دمـوعـي شوقـي إلـى الأجـل أموت من قبـل أن يفـر منـي دَهْـري فإني منه على وجل @@ ثم ذكر شأن الجمعة ، ردًّا على افتخار اليهود بالسبت ، فقال : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ } .