Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 63, Ayat: 1-3)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحق جلّ جلاله : { إذا جاءك } أيها الرسول { المنافقون } أي : حضروا مجلسك ، { قالوا نشهدُ إِنك لَرسولُ الله } ، أكدوا بإنَّ واللام للإيذان بأنَّ شهادتهم هذه صادرة عن صميم قلبهم ، وخلوص اعتقادهم ، ووفور رغبتهم ونشاطهم ، قال تعالى : { واللهُ يعلم إِنك لَرسوله } حقيقةً ، كما يدل عليه ظاهر كلامهم . والجملة معترضة بين شهادتهم وتكذيبهم بقوله : { واللهُ يشهدُ إِنَّ المنافقين لكاذبون } ، وحكمته : أنه لو لم يذكره لتوهم أنَّ قوله : { واللهُ يشهد إِنَّ المنافقين لكاذبون } إبطال للرسالة ، فوسطه بين حكاية قول المنافقين وبين تكذيبهم ليزيل هذا الوهم ، ويُحقق الرسالة . وقوله : " لكاذبون " أي : في ادعائهم أنهم قالوا ذلك عن اعتقاد وصميم قلب ، كما يُشير إليه ظاهر قولهم . قال القشيري : كذَّبهم فيما قالوا : إنّا نشهد عن بصيرة ، ونعتقد تصديقك ، فلم يكذبهم في الشهادة ، ولكن كذَّبهم في قولهم : إنّا مخلصون مصدِّقون بك . هـ . { اتخَذوا أيمانَهم } الفاجرة { جُنَّةً } وقاية عما يتوجه إليهم من المؤاخذة بالقتل والسبي ، وغير ذلك ، واتخاذها جُنَّةً عبارة عن إعدادهم وتهيئهم لها إلى وقت الحاجة ، ليحلفوا بها ، ويتخلّصوا عن المؤاخذة ، { فصَدُّوا } بأنفسهم { عن سبيل الله } وضلُّوا عن طريق الحق ، أو : فصّدُّوا مَن أراد الدخول في الإسلام بإلقاء الشُبه ، وصدُّوا مَن أراد الإنفاق في سبيل الله بالنهي عنه ، كما سيجيء عنهم ، ولا ريب أنّ هذا الصدّ منهم متقدم على حلفهم بالفعل ، ولذلك عبّر بالاتخاذ . { إِنهم ساء ما كانوا يعملون } من النفاق والصدّ . وفي " ساء " معنى التعجب وتعظيم أمرهم للسامعين . { ذلك } أي : ما تقدّم من قولهم ، الناعي عليهم بأنهم أسوأ الناس أعمالاً ، أو : ما وصف مِن حالهم في النفاق والكذب والاستتار بالأيمان الفاجرة . { بأنهم } بسبب أنهم { أمنوا } نطقوا بكلمة الشهادة ، كسائر مَن دخل في الإسلام { ثم كفروا } أي : ظهر كفرهم بما شُوهد منهم من شواهد الكفر ودلائله ، أو : نطقوا بالإيمان عند المؤمنين ، ونطقوا بالكفر عند شياطينهم ، { فطُبعَ على قلوبهم } ختم عليها ، حتى لا يدخلها الإيمان ، جزاء على نفاقهم ، فتمرّنوا على الكفر ، واطمأنوا به ، { فهم لا يفقهون } شيئًا ، لا يعرفون حقيَّة الإيمان ولا حقيقته أصلاً . الإشارة : قد يأتي إلى مشايخ التربية مَن يُنافقهم ، طمعًا في الدنيا ، فيقول : نشهد إنك لَمن العارفين ، أو مِن أهل التربية ، مثلاً ، فَتَجُر الآيةُ ذيلَها عليه ، وقد يكون مذبذباً ، تارة تلوح له أنوارُ الولاية ، وتارة تَستر عنه ، فيُصدّق ثم يرجع ، ثم يُطبع على قلبه . قال القشيري : { ذلك بأنهم آمنوا } : استضاؤوا بنور الإجابة ، فلم يَنْبَسِطْ عليهم شعاعُ نور السعادة ، فانطفأ نورُهم بقَهْرِ الحرمان ، وبَقوا في ظلمة القسمة السابقة بحكم الشقاوة . هـ . وهنا إشارة أخرى للقشيري ، وهو : إذا جاءك أيها الروح الصافية منافق الهوى والنفس الأمّارة ، قالوا : نشهد إنك لَرسول الله ، أي : كاملة صافية ، يُريدون بذلك توقفها عن الترقي باستحسان ما أدركت ، والوقوف معه ، والله يعلم إنك لَرسوله ، حين تصفى ، فتكون محل العِلم الرباني ، والوحي الإلهامي ، والله يشهد إنهم لكاذبون في ادعاء الشهادة بلا حقيقة ، اتخذوا أيمانهم جُنَّة ، لئلا تكرّ عليهم بأنوارها ، فتُخرجهم عن عوائدهم وشهواتهم ، فصُدُّوا عن سبيل الله ، حيث بقوا مع عوائدهم ، أو : فصدُّوا الروح إن صدقتهم وطاوعتهم ، ذلك بأنهم أمنوا ، حيث ترد عليهم أنوار الواردات ، ثم كفروا رجعوا إلى وطنهم ، من الحظوظ ، حيث تخمد أنوار الواردات عنهم ، فطُبع على قلوبهم ، حيث وقفوا مع عوائدهم فهم لا يفقهون : لا يعرفون سر إيجادهم ، ولا لماذا خُلقوا . هـ . بالمعنى . ثم وبَّخ المنافقين بكونهم أشباحاً خاوية ، فقال : { وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ } .