Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 63, Ayat: 4-4)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحقّ جلّ جلاله : { وإِذا رأيتهم تُعْجِبُكَ أجسامُهم } لضخامتها ، ويروقك منظرُهم لصباحة وجوههم ، والخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم ، أو : لكل سامع ، { وإِن يقولوا تسمعْ لِقَولهم } لفصاحتهم ، وذلاقة ألسنتهم ، وحلاوة كلامهم ، وكان ابن أُبي رجلاً جسيماً صبيحاً ، وقوم من المنافقين في مثل صفته ، فكانوا يحضرون مجلس الرسول صلى الله عليه وسلم ، ويستندون فيه ، ولهم جهارة المناظرة ، وفصاحة الألسن ، فكان النبي صلى الله عليه وسلم ومَن معه يُعجبون بهم ، ويسمعون إلى كلامهم . { كأنهم خُشُب مُسَنَّدةٌ } أي : هم كخشب مُسَنَّدة ، شُبِّهوا في جلوسهم في مجلس الرسول صلى الله عليهم وسلم مستندين فيها بخُشب منظومة ، مسندة إلى الحائط ، في كونهم أشباحاً خاليه من العلم والخير لأنّ الخشب إذا انتُفع بها كانت في سَقفٍ ، أو جدارٍ ، أو غير ذلك من مظان الانتفاع ، وما دام متروكاً غير منتفع به ، أُسند إلى الحائط فشُبِّهوا به في عدم الانتفاع . أو : لأنهم أشباح بلا أرواح ، وأجرام بلا أحلام . و " خُشُب " بضمتين ، جمع خَشبة ، كَثمرة وثُمُر ، ويسكن ، كبَدنة وبُدن . { يحسبون كلَّ صيحةٍ } واقعة { عليهم } ، فـ " كل " : مفعول أول ، و " عليهم " : مفعول ثان ، أي : يظنون كلَّ صيحة واقعة عليهم لاستقرار الرعب في قلوبهم ، فإذا نادى منادٍ في العسكر ، أو انفلتت دابة ، أو نُشِدت ضالّة ظنوه إيقاعاً بهم . { هم العدوُّ } أي : الكاملون في العداوة ، الراسخون فيها ، فإنّ أعدى الأعادي المكاشِر ، الذي يُكاشر وتحت ضلوعه الداء . فالألف واللام للجنس ، أو : للعهد ، أي : العدو الذي يشهد لك ، ويعتقد خلاف ما يشهد ، { فاحْذرهم } ولا تغتر بحلاوة منطقهم ، { قاتلهم اللهُ } ، دعاء عليهم ، أو : تعليم للمؤمنين أن يدعوا عليهم ، { أنى يُؤفكون } أي : كيف يعدلون عن الحق بعد وضوحه ، تعجُّباً من جهلهم وضلالتهم . الإشارة : لا عبرة بالأجسام العريضة ، ولا بالألسن الفصيحة ، إنما العبرة بالقلوب المطهرة ، والسرائر المنورة ، " إن الله لا ينظر إلى صوركم … " الحديث ، و " رُبَّ أشعثَ أغبر ، مدفوعٍ بالأبواب ، لو أقسمَ على الله لأبَرَّه في قسمه " قال القشيري : قوله تعالى : { وإذا رأيتهم … } الخ ، أي : هم أشباح وقوالب ، ليس وراءهم ألبابُ وحقائق ، والجوزُ الفارغ يؤنق ظاهره ، ولكن للعب الصبيان . هـ . وقال الشاعر : @ وما الحسنُ في وجه الفتى شرفاً له إذا لم يكن في فعله والخلائق @@ وقالت العامة : لا يتكلم إلاَّ الجوز الفارغ ، ذمًّا لشقشقة اللسان ، وفي الحديث أيضاً ذمهم والتحذير منهم . أما قوله صلى الله عليه وسلم : " التمسوا حوائجكم عن حِسَان الوُجُوه " فإنما المراد : ما يظهر على الوجه من البهجة والنور ، والخفة والملاحة ، مما خامر الباطن من بشاشة الإيمان ونور المعرفة . والله تعالى أعلم . ثم قال تعالى في ذم المنافقين وافتضاحهم : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ ٱللَّهِ } .