Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 64, Ayat: 8-10)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : الفاء في قوله { فأمِنوا } فصيحة ، مفصحة عن شرط مقدّر ، أي : إذا كان الأمر كما ذكرنا من وقوع البعث لا محالة فآمِنوا وتأهّبوا له . يقول الحق جلّ جلاله : { فآمِنوا بالله ورسوله } محمد صلى الله عليه وسلم ، { والنورِ الذي أنزلنا } وهو القرآن ، فإنه بيّن حقائق الأشياء ، فيهتَدي به كما يهتدى بالنور . والالتفات في " أنزلنا " لكمال العناية بالإنزال ، { والله بما تعملون } من الامتثال وعدمه { خبير } ، فيجازيكم عليه . وإظهار اسم الجليل لتربية المهابة ، وتأكيد استقلال الجملة . واذكر { يومَ يجمعكم } أو : لَتنبؤنَّ ، أو خبير { يوم يجمعكم ليوم الجمع } وهو يوم يُجمع فيه الأولون والآخرون للحساب والجزاء ، { ذلك يوم التغَابُنِ } ، مستعار من : تغابن القومُ في التجارة ، وهو أن يُغبن بعضُهم بعضاً ، لنزول السعداء منازلَ الأشقياء التي كانوا ينزلونها لو كانوا سعداء ، ونزول الأشقياء منازل السعداء لو كانوا أشقياء ، كما ورد في الحديث . وقد يتغابن الناسُ في ذلك اليوم بتفاوت الدرجات ، وذلك هو التغابن الحقيقي ، لا التغابن في أمور الدنيا ، { ومَن يؤمن بالله ويعمل صالحاً يُكَفِّرْ } بنون العظمة لنافع والشامي ، وبياء الغيبة ، أي : يُكَفِّر الله { عنه سيئاتِه ويُدْخِلْه جنات } أو : يُدخله الله { جناتٍ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك } أي : ما ذكر من تكفير السيئات وإدخال الجنات { الفوزُ العظيم } الذي لا فوز وراءه لانطوائه على النجاة من أعظم الهلكات ، والظفر بأجل الطلبات . { والذين كفروا وكَذَّبوا بآياتنا أولئك أصحابُ النار خالدين فيها وبئس المصير } المرجع ، كأنّ هاتين الآيتين الكريمتين بيان لكيفية التغابن . والله تعالى أعلم . الإشارة : فأمِنوا بالله ورسوله إيمان العيان ، لا إيمان البرهان ، أي : قدِّموا إيمان البرهان ، ثم سيروا إلى مقام العيان ، وآمِنوا بالقرآن ، وصَفُّوا مرآة قلوبكم حتى تسمعوه منا بلا واسطة ، واذكروا يومَ يجمعكم ليوم الجمع الدائم لأهل الجمع في الدنيا ، ذلك يوم التغابن ، يغبن الذاكرون الغافلين ، والمجتهدون المقصّرين ، والعارفون بالله والمحجوبين عنه ، وهذا هو الغبن الكبير ، ومَن يُؤمن بالله ، ثم يَجْهد في شهود الله ، ويعمل عملاً صالحاً ، وهو العمل بالله ، نُكفِّر عنه سيئاته ، أي رؤية أعماله ووجوده ، أي : نُغَطِّي وصفَه بوصفي ، ونعتَه بنعتي ، ونُدخله جنات المعارف ، تجري من تحتها أنهار العلوم والحِكم ، وذلك هو الفوز العظيم ، أي : خَلْع الوجود المجازي عنه ، وإلباس الوجود الحقيقي هو الفوز العظيم . والذين كفروا بطريق الخصوص ، وكذَّبوا بآياتنا ، وهم العارفون الدالون على الله ، أولئك أصحاب النار ، أي : نار الحجاب وجحيم الاحتجاب ، خالدين فيها ، وبئس المصير الحجاب والاحتجاب . ولمّا كان الغين من جملة المصائب ، ذكر أنها بقضائه وقدره ، فقال : { مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ } .