Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 64, Ayat: 5-7)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحق جلّ جلاله : لكفار مكة { ألم يأتكم نبأُ الذين كفروا من قبلُ } ؟ كقوم نوح ، ومَن بعدهم من الأمم المُصرَّة على الكفر ، { فذاقوا وبالَ أمرهم } أي : شؤم كفرهم في الدنيا من الهلاك والاستئصال . والوبالُ : الثقل والشدة ، وأمرهم : كفرهم ، عبّر عنه بالأمر إيذاناً بأنه أمر هائلٌ ، وجناية عظيمة ، و " ذاقوا " عطف على " كفروا " أي : ألم يأتكم خبر الذين كفروا فذاقوا من غير مهلة ما يسْتتبعُهُ كفرهم في الدنيا ؟ { ولهم عذابٌ أليم } لا يُقادَر قدره . { ذلك } أي : ما ذكر من العذاب الذي ذاقوه في الدنيا ، وما سيذوقونه في الآخرة { بأنه } بسبب أن الشأن { كانت تأتيهم رُسُلهم بالبينات } بالمعجزات الظاهرة ، { فقالوا أَبَشَرٌ يهدوننا } أي : قال كلُّ قوم من المذكورين في حق رسولهم الذي أتاهم بالمعجزات منكرين كون الرسول من البشر ، متعجبين من ذلك { أَبَشرٌ } مِن جنس البشر { يهدوننا } ، أنكروا رسالة البشر ، ولم ينكروا عبادةَ الحجر ، { فكفروا } بالرسل { وتَوَلَّوا } عن التدبُّر فيما أتوا به من البينات ، أو : عن الإيمان بهم ، { واستغنى اللهُ } أي : أظهر استغناءه عن إيمانهم وطاعتهم ، حيث أهلكهم وقطع دابرهم ، ولولا استغناؤه تعالى عنها ما فعل ذلك ، { والله غنيٌّ } عن العالمين ، فضلاً عن إيمانهم وطاعتهم ، { حميدٌ } يحمده كلُّ مخلوقٍ بلسان الحال والمقال ، أو : مستحق للحمد بذاته ، وإن لم يحمده حامد . ثم ذكر كفرهم بالبعث ، فقال : { زَعَمَ الذين كفروا أن لن يُبعثوا } ، الزعم : ادّعاء العلم ، فيتعدّى إلى مفعولين ، سدّ مسدهما " أن " المخففة ، أي : أدّعى أهل مكة أنّ الشأن لن يُبعثوا بعد موتهم ، { قل بلى وربي لَتُبعثن } ، ردًّا لزعمهم وإبطالاً لِما نفوه مؤكَّداً بالقسم ، فإن قلْتَ : ما معنى اليمين على شيء أنكروه ؟ قلتُ : هو جائز لأنّ التهديد به أعظم موقعاً في القلب ، فكأنه قيل : ما تنكرونه والله إنه لواقع لا محالة ، { ثم لتُنبَّؤنَّ بما عَمِلتم } أي : لتُحاسبن وتُجزون بأعمالكم ، { وذلك } أي : ما ذكر من البعث والحساب { على الله يسيرٌ } هيّن ، لتحقق القدرة التامة ، وقبول المادة للإعادة . الإشارة : ألم يأتكم يا معشر المنكِرين على أولياء زمانكم ، خبر مَن أنكر قبلكم ، ذاقوا وبالَ أمرهم حيث ماتوا محجوبين عن شهوده ، مطرودين عن ساحة قربه ، ذاقوا وبال أمرهم في الدنيا الجزع والهلع وتسليط الخواطر والشكوك ، ولهم في الآخرة عذاب البُعد والحِجاب ، وسبب ذلك : إنكار الخصوصية عند بشر مثلهم ، فكفروا به ، وتولَّوا عنه ، والله غني عنهم ، وعن توجههم ، وعن جميع الخلق ، زعم الذين كفروا ستروا الحق بالخلق ، أي : احتجبوا بالخلق عن شهود الحق ، أن لن يُبعثوا على معتقدهم ، قل : بلى وربي لتُبعثن ، كما عشتم محجوبين عن رؤية الحق إلاّ نادراً لأنَّ العبد يموت على ما عاش ، ويُبعث على ما مات ، من معرفةٍ أو نكران ، ثم لتُحاسبن على أعمالكم ، لا يغادَر منها صغيرة ولا كبيرة ، بخلاف العارفين ، لا يُرفع لهم ميزان ، ولا يتوجه لهم حساب ، حيث فَنوا عن أنفسهم ، وبقوا بالله ، وهم من السبعين ألفاً . وبالله التوفيق . ولمّا هَدّد على الكفر ، أَمَرَ بالإيمان ، ورغَّب فيه ، فقال : { فَآمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } .