Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 65, Ayat: 4-5)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحق جلّ جلاله : { واللائي يَئِسْنَ من المحيض من نسائكم } لكبرهن ، وقدّروه بستين ، أو : بخمس وخمسين . رُوي أنَّ ناساً قالوا : قد عرفنا عِدة الأقراء ، فما عدة التي لم تحض ؟ فنزلت . وقوله : { إِن ارتبتمْ } أي : إن أشكل عليكم حكمهنّ كيف يعتددن ، { فعِدَّتهُنَّ ثلاثةُ أشهرٍ } أو : إن ارتبتم في حيضها ، هل انقطع أو لم ينقطع ، فعِدَّتها بالأشهر ، وهي المرتابة التي غابت حيضتُها ، وهي في سن مَن يحيض ، واختلف فيها ، فقيل : ثلاثة أشهر على ظاهر الآية ، وقيل : تسعة ، وتستبرىء بثلاثة ، وهو المشهور في مذهب مالك وقدوته في ذلك عُمر بن الخطاب ، لأنّ مذهبه عُمري ، وقيل : تعتد بالأقراء ، ولو بلغت ثلاثين سنة ، حتى تبلغ سن مَن لا يحيض ، وهو مذهب الشافعي وأبي حنيفة . { واللائي لم يَحِضْنَ } من صغر ، فعدتهنّ ثلاثة أشهر ، حذف لدلالة ما قبله ، { وأُولات الأحمالِ أجَلُهُنَّ } أي : عِدّتهن { أن يضعن حَملَهن } سواء كن مطلقات ، أو متوفًّى عنهن أزواجهن ، عند مالك والشافعي وأبي حنيفة وسائر العلماء . وقال عليّ وابن عباس رضي الله عنهما : إنما هذا في المطلقات الحوامل ، وأما المتوقَّى عنهن فعدّتهنَ أقصى الأجلين ، إما الوضع ، أو انقضاء أربعة أشهر وعشر ، وحُجة الجمهور : حديث سُبَيْعة ، أنها لما مات زوجها ، ووضعت ، أَمَرَها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بالتزوُّج ، وقد رُوي أن ابن عباس رجع إليه ، ولو بلغ عليًّا لرجع ، فهذه الآية مخصَّصة لِما في سورة البقرة من قوله تعالى : { وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ … } [ البقرة : 234 ] . تنبيه : وَضْعُ الحمل إنما يُبرىء الرحم إذا كان من نكاح صحيح ، وأمّا من الزنى فلا يُبرئ ، باتفاقٍ ، فمَن حملت مِن زنى وهي متزوجة فلا تحل للهارب الذي حملت منه إذا طُلّقت بوضع حملها منه ، بل لا بد من ثلاثة قروء بعد الوضع ، نَعَم مَن لا زوج لها من حُرةٍ أو أَمةٍ إذا حملت من زنى تمَّ استبراؤها بوضع حملها . { ومَن يتقِ اللهَ } في شأن أحكام العدة ومراعاة حقوقها { يجعل له من أمره يُسراً } أي : يُسهل عليه أمره . ويتحلّل عليه ما تعقّد ببركة التقوى ، { ذلك } أي : ما علَّمكم من الأحكام { أمرُ الله أَنزله إِليكم } لتعملوا به . وإفراد الكاف مع أنّ المُشار إليهم جماعة لأنها لتعيين الفرق بين البُعد والقرب ، لا لتعيين خصوصية المخاطبين { ومَن يتق الله } بالمحافظة على أحكامه { يُكفِّر عنه سيئاتِه } فإنَّ الحسنات يُذهبن السيئات ، { ويُعْظِمْ له أجراً } بالمضاعفة والتكثير . الإشارة : والنفوس التي يئسن من المساوىء والميل إلى الدنيا ، ثم شككتم في تحقق طهارتها ، تنتظر ثلاثة أشهر ، فإذا مضت هذه المدة ولم يظهر منها ميل ، فالغالب طهارتها ، وكذلك النفوس الزكية ، الباقية على الفطرة التي لم يظهر منها خَلل ، تنتظر هذه المدة ، فإن ظهرت سلامتها فلا مجاهدة عليها ، والنفوس الحوامل بكثرة الأشغال عِدَّة تمام فتحها أن تضع كل ما يثقل عليها ويمنعها من السير ، ولقد سمعتُ شيخنا البوزيدي رضي الله عنه يقول : إن شئتم أن أُقسم لكم إنه لا يدخل أحد عالَم الملكوت وفي قلبه علقة . هـ . { ومَن يتق الله } أي : يعزم على البر والتقوى يجعل له تعالى من أمره يُسراً ، يُسهّل عليه طريق السلوك ، ويكفيه كلَّ ما يُثقله ويشغله عنه ، إما بإزالة ذلك له ، أو بغيبته عن شؤونه ، ومَن يتق الله بالفعل يُكَفِّر عنه سيئاتِه ، أي : يُغطّي عنه أوصافه الذميمة بأوصافه الحميدة ، ويُعظم له أجراً بأن يفتح له باب مشاهدته . والله تعالى أعلم . ثم ذكر حكم السُكنى والنفقة ، فقال : { أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم } .