Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 67, Ayat: 6-11)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحق جلّ جلاله : { وللذين كفروا بربهم } أي : ولكل مَن كفر بالله مِن الشياطين وغيرهم { عَذابُ جهنم } يُعذّبون بها جميعاً ، { وبئس المصيرُ } ، المرجع جهنم . { إِذا أُلقوا فيها } طُرحوا في جهنم ، كما يُطرح الحطب في النار ، { سَمِعُوا لها } لجهنم { شهيقاً } صوتاً منكراً ، كصوت الحمير . شبّه حسيسها المنكر الفظيع بالشهيق . { وهي تفور } تغلي بهم كغليان المِرُجَل بما فيه . { تكاد تميَّزُ } أي : تتميّز ، يعني : تتقطّع وتتفرّق وينفصل بعضها من بعض { من الغيظ } وذلك حين تمد عنقها إليهم ، لتستولي عليهم . وغيظها حقيقة بالإدراك الذي خلقه الله فيها . { كلما أُلْقِي فيها فوجٌ } جماعة من الكفار { سألهم خزنتُها } مالك وأعوانه من الزبانية توبيخاً لهم : { ألم يأتكم نذير } رسولٌ يُخوفكم من هذا العذاب الفظيع ؟ { قالوا بلى قد جاءنا نذيرٌ } ، اعترفوا بعدل الله ، وأنَّ الله أزاح عذرهم ببعث الرسل ، وإنذارهم ما وقعوا فيه ، تحسُّراً على ما فاتهم من السعادة وتمهيداً لِما وقع منهم من التفريط تندُّماً اغتماماً على ذلك ، { فكذَّبنا } ذلك النذير في كونه نذيراً من جهته تعالى : { وقلنا ما نزَّل اللهُ من شيءٍ } مما يقولون من وعد ووعيد ، وغير ذلك ، { إِن أنتم إِلاَّ في ضلالٍ كبير } أي : قال الكفار للمنذِّرين : ما أنتم إلاّ في خطأ عظيم ، بعيد عن الصواب . وجمع ضمير الخطاب مع أنَّ مخاطب كل فوج نذيرُه لتغليبه على أمثاله ، مبالغةً في التكذيب ، وتمادياً في التضليل ، كما ينبىء عنه تعميم المنزل مع ترك ذكر المنزل عليه ، فإنه مُلوح لعمومه حتماً ، أو : إقامة تكذيب الواحد مقام تكذيب الكل . ويجوز أن يكون قوله : { إن أنتم إلا في ضلال كبير } من كلام الخزنة للكفار ، على إرادة القول ، ومرادهم بالضلال : الهلاك ، أو : سمُّوا جزاء الضلال باسمه ، كقوله : { وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا } [ الشورى : 40 ] مشاكلة ، أو : يكون من كلام الرسل ، حكوه للخزنة ، اي : قالوا لنا هذا فلم نهتبله . { وقالوا } أيضاً معترفين بتفريطهم : { لو كنا نسمعُ } الإنذار سماع طالب الحقّ { أو نعقلُ } شيئاً { ما كنا في أصحاب السعير } في عِددهم ، ومن أتباعهم ، من الشياطين وغيرهم ، وفيه دليل على أنَّ مدار التكليف على أدلة السمع والعقل ، وأنهما حجتان . { فاعترَفوا بذنبهم } ، الذي هو كفرهم وتكذيبهم الرسل في وقت لا ينفعهم ، { فسُحقاً لأصحابٍ السعير } أي : أبعدهم من رحمته وكرامته ، وهو مصدر مؤكد لعامله ، أي : فسُحقوا سحقاً ، أو : فأسحقهم الله سحقاً ، بحذف الزوائد . وفيه معنى الدعاء . الإشارة : وللذين كفروا بشهود ربهم في الدنيا عذابُ جهنم ، وهو البُعد والحجاب ، وبئس المرجع حين يرجع المقربون إلى مقعد صدق ، عند مليك مقتدر ، إذا أُلقوا في الحُجبة والقطيعة سمعوا لها شهيقاً غيظاً عليهم ، وسخطة بهم ، وبصفاتهم المضلة ، وهي تفور من قُبح أعمالهم . تكاد تميّز من الغيظ عليهم ، كلما أُلقي فيها فوج من أهل الغفلة ، قال لهم خزنتها وهم صور أعمالهم وهيئة أخلاقهم الردية : ألم يأتكم نذير داع يدعوكم إلى الله ، من العارفين بالله ؟ فاعترفوا بأنهم أنكروهم وجحدوا خصوصيتهم ، فماتوا محجوبين عن الله ، والعياذ بالله . ثم ذكر أضداهم ، فقال : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِٱلْغَيْبِ } .