Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 67, Ayat: 12-14)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحق جلّ جلاله : { إِنَّ الذين يخشَون ربهم بالغيب } أي : يخافون عذابه غائباً عنهم ، أو : عن أعين الناس ، أو : بالقلب لأنّ القلب أمر غيبي ، أو : يخشون ربهم ولم يروه معاينة ، { لهم مغفرة } لذنوبهم { وأجر كبير } لا يقادر قدره ، الجنة وما فيها . { وأسِرُّوا قولكم أو اجهروا به } ، ظاهره : الأمر بأحد الأمرين الإسرار والإجهار ومعناه : ليستوِ عندكم إسراركم وإجهاركم ، فإنه في عِلْم الله سواء . كقوله : { سَوَآءٌ مِنكُم مَّنْ أَسَرَ ٱلْقَوْلَ وَمَن جَهَرَ بِهِ } [ الرعد : 10 ] ، وكأنه تعالى لمّا قال : { يخشون ربهم بالغيب } ربما يتوهم أن الله تعالى يغيب عنه شيء ، رفع ذلك . وقيل : إنَّ المشركين كانوا ينالون من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيُخبره جبريلُ عليه السلام بما قالوا فيه ونالوا منه ، فقالوا فيما بينهم : أسِروا قولكم لئلا يسمع رب محمد فيخبره ، فنزلت . وتقديم السر على الجهر للإيذان بافتضاحهم ، ووقوع ما يحذرونه ، وللمبالغة في شمول علمه تعالى ، المحيط بجميع المعلومات ، كأنَّ عِلْمَه تعالى بما يُسرونه أقدم منه بما يجهرونه ، مع كونهما في الحقيقة على السواء ، ولأنَّ مرتبة السر أقدم وجوداً لأنّ ما يقع به الجهر يتقدّم التحدُّث به في النفس . وقوله تعالى : { إِنه عليم بذات الصدور } تعليل لِما قبله ، أي : عليم بضمائر الصدور قبل أن تترجم الألسنة ، فكيف لا يعلم ما تتكلم به . وفي صيغة " فعيل " ، وتحلية " الصدور " بلام الاستغراق ، ووصف الضمائر بصاحبتها من الجزالة ما لا غاية وراءه ، كأنه قيل : إنه مبالغ في الإحاطة بمضمرات جميع الناس وأسرارهم الخفية ، المستكنة في صدروهم فكيف يخفى عليه ما يُبدونه ؟ ويجوز أن يراد بـ { ذات الصدور } : القلوب التي في الصدور ، أي : عليم بالقلوب وأحوالها ، فلا يخفى عليه من أسرارها ، { ألا يعلم من خلق } " مَنْ " فاعل بيعلم ، { وهو اللطيفُ الخبيرُ } أنكر أن يكون مَن خلق الأشياء وأوجدها غير عالم بباطنها وظاهرها ، وصفته أنه اللطيف ، أي : العالِم بدقائق الأشياء الخبير العالم بحقائقها . ويجوز أن يكون مَن مفعولاً ، أي : ألاَ يعلم اللهُ مَن خلقه . وفيه على الأول دليل على خلق أفعال العباد ، وهو مذهب أهل السنة ، ووجه الدليل : أنه تعالى لمّا قرر أنه عالم بالسر والجهر ، وبكل ما في الصدور ، قال بعده : { ألا يعلم مَن خَلَقَ } ، وهذا الكلام إنما يتصل بما قبله إذا كان تعالى خالقاً لكل ما يفعلونه في السر والجهر ، وفي القلوب والصدور ، فأنه لو لم يكن خالقاً لها لم يكن قوله : { ألا يعلم مَن خلق } مقتضياً كونَه تعالى عالماً بتلك الأشياء ، وهو خالق الأشياء وأحوالها ، وعالم بجميع ذلك ، ولذلك عقَّب ذلك بقوله : { وهو اللطيف الخبير } . الإشارة : إنَّ الذين يخشون ربهم بالغيب ، فراقَبوه وعبدوه ، حتى عرفوه فصار الغيب عندهم شهادة . قال الورتجبي : وصف الله معرفة العارفين به ، قبل رؤيتهم مشاهدته ، فإذا عاينوه استفادوا من رؤيته علم المعاينة ، وهو المعرفة بالحقيقة ، خشوا منه في غيبة منه ، وهو خشية القلب ، فلما رأوه على الخشية الإجلال ، وهو علم الروح والسر . هـ . وقوله تعالى : { وهو اللطيفُ الخبير } ، قال بعضهم : الحق تعالى منزّه عن الأين والجهة ، والكيف ، والمادة والصورة ، ومع ذلك لا يخلو منه أين ولا مكان ، ولا كم ، ولا كيف ، ولا جسم ، ولا جوهر ، ولا عرض لأنه للطفه سارٍ في كل شيء ، ولنوريته ظاهر في كل شيء ، ولإطلاقه وإحاطته متكيّف بكل كيف ، غير متقيد بذلك ، ومَن لم يذق هذا ، أو لم يشهده ، فهو أعمى البصيرة ، محروم عن مشاهدة الحق . هـ . وقال الغزالي : إنما يستحق هذا الاسم يعني اللطيف مَن يطلع على غوامض الأشياء ، وما دقّ منها وما لطف ، ثم سلك في إيصالها إلى المستصلح سبيل الرفق دون العُنف ، والخبير هو الذي لا يعزب عنه الأخبار الباطنة ، فلا يجري في المُلك والملكوت شيء ، ولا يتحرك ذرة ولا تسكن ، ولا تضطرب نفس ولا تطمئن ، إلاّ ويكون عنده خبرها . وهو بمعنى العلم ، لكن العلم إذا أُضيف إلى الخفايا الباطنة يسمى خِبرة ، ويسمى صاحبها خبيراً . هـ . ثم بيَّن تصريف مَن بيده المُلك ، وعدّد نعمه على مماليكه ، ثم هدّد مَن لم يشكرها بالخسف وإرسال الحاصب ، فقال : { هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ ذَلُولاً } .