Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 69, Ayat: 38-52)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحق جلّ جلاله : { فلا أُقسم } أي : أُقسم ، على أن " لا " مزيدة للتأكيد ، كقوله : { فَلاَ وَرَبِكَ } [ النساء : 65 ] أي : احلف { بما تُبصرون } في عالم الشهادة ، { وما لا تُبصرون } مما هو في عالم الغيب ، أو بما تُبصرون من الأرض والسماء ، والأجسام والأجرام ، وما لا تُبصرون من الملائكة والأرواح ، أو : ما تُبصرون من النعم الظاهرة ، وما لا تُبصرون من النِعَم الباطنة . والتحقيق : أنه أقسم بالكل { إِنه } أي : القرآن { لقولُ رسولٍ كريم } على الله ، وهو محمد صلى الله عليه وسلم ، أو جبريل عليه السلام ، أي : يقوله ويتكلم به على وجه الرسالة من عند الله عزّ وجل ، { وما هو بقولِ شاعرٍ } كما تزعمون تارة ، { قليلاً ما تؤمنون } أي : إيماناً قليلاً تؤمنون ، { ولا بقول كاهنٍ } كما تزعمون ذلك تارة أخرى ، والكاهن هو الذي يُخبر عن بعض المضمرات فيُصيب بعضها ويخطىء أكثرها ، ويزعم أنَّ الجن تُخبره بذلك ، ويدخل فيه : مَن يُخبر عن المغيبات من جهة النجوم أو الحساب ، { قليلاً ما تذكّرون } ، والقلة في معنى العدم ، يقال : هذه أرض قلما تُنبت أي : لا تنبت أصلاً ، والمعنى : لا تؤمنون ولا تذكرون ألبتّة . وقال ابن عطية : يحتمل أن تكون ما نافية فينتفي إيمانهم ألبتة ، ويحتمل أن تكون مصدرية ، فيتصف إيمانهم بالقلة ، ويكون إيماناً لغوياً لأنهم صدّقوا بأشياء يسيرة ، لا تغني شيئاً . هـ . فتحصل في ما ثلاثة أقوال المشهور : أنها زائدة لتأكيد القلة . قال أبو السعود : قيل : ذكر الإيمان مع نفي الشاعرية لأنّ عدم مشابهة القرآن للشِعر أمر بيِّن ، لا يُنكره إلاَّ معاند ، بخلاف مباينته للكهانة فإنه يتوقف على تذكُّر أحواله صلى الله عليه وسلم ومعاني القرآن المنافية لطريقة الكهنة ، ومعاني أقوالهم ، وأنت خبير بأنَّ ذلك أيضاً مما لا يتوقف على تأمُّل قطعاً . وقُرىء بالياء فيهما . هـ . { تنزيلٌ من رَبِّ العالمين } أي : هو تنزيل ، وهو تقرير لكنه قول رسول كريم ، نزل عليه من رب العالمين ، أنزله على لسان جبريل صلى الله عليه وسلم ، { ولو تقوَّل علينا } محمد { بعضَ الأقاويل } أي : ولو ادّعى علينا شيئاً لم نَقُلْهُ افتراء علينا . سَمَّى الافتراء تقوُّلاً لأنه قول متكلّف ، والأقوال المفتراة أقاويل ، تحقيراً لها ، كأنها جمع أفعولة ، من القوْل ، كالأضاحيك ، { لأخذنا منه باليمين } أي : لقتلناه صبراً ، كما تفعل الملوك بمَن يَكذب عليهم ، مُعاجلةً بالسخط والانتقام ، فصوّر قتل الصبر بصورته ليكون أهْول ، وهو أن يأخذ بيده ، وتضرب رقبته ، وخصَّ اليمين لأنَّ القتَّال إذا أراد أن يوقع الضرب في قفاه أخذ بيساره ، وإذا أراد أن يوقعه في جيده ، وهو أن يكفحه بالسيف وهو أشد على المصبور لنظره إلى السيف أخذه بيمينه ، ومعنى { لأخذنا منه باليمين } : لأخذنا بيمينه ، { ثم لقطعنا منه الوتينَ } أي : لقطعنا وتينه ، وهو نياط القلب ، إذا قطع مات صاحبه . { فما منكم } ، الخطاب للناس ، أو المسلمين ، { مِن أحدٍ } " من " زائدة ، { عنه } أي : عن القتل أو المقتول ، { حاجزين } دافعين ، وجمعَه ، وإن كان وصفاً لـ " أحد " لأنه في معنى الجماعة لأنَّ النكرة بعد النفي تعم . { وإِنه } أي : القرآن { لتذكرةٌ } لَعِظةٌ { للمتقين } لأنهم المنتفعون به ، { وإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنكُم مُكَذِّبِينَ } فنُجازيهم على تكذيبهم ، { وإِنه لحسرةٌ على الكافرين } عند مشاهدتهم لثواب المؤمنين له ، { وإِنه لَحقُّ اليقين } أي : محض اليقين الذي لا يحوم حوله ريب ما ، وحق اليقين فوق عين اليقين على ما يأتي . { فسَبِّحْ باسم ربك العظيمِ } أي : فَسبِّح بذكر اسمه العظيم ، تنزيهاً عن التقوُّل عليه ، شكراً على ما أوحي إليك ، أي : قل سبحان الله العظيم شكراً لنعمة الوحي والاصطفاء . الإشارة : أقسم تعالى بذاته المقدسة ، ما وقع به التجلِّي وما لم يقع ، أي : ما ظهر منها في عالَم الشهادة ، وما لم يظهر ، على حقيّة القرآن ، وأنه خرج من حضرة الحق ، إلى الرسول الحق ، ناطقاً بالحق ، على لسان السفير الحق ، متجلِّياً من ذات الحق ، واصلاً من الحق إلى الحق ، مشتملاً على علم اليقين ، وعين اليقين ، وحق اليقين ، فعلم اليقين : ما أدراك من جهة البرهان ، وعين اليقين : ما أدراك بالكشف والبيان ، وحق اليقين : ما أدراك بالشمول والبيان ، ومثال ذلك تقريباً ، وجود مكة مثلاً ، فمَن لم يرها فقد حصل له بالإخبار علم اليقين ، ومَن رآها ، ولم يدخلها ، فقد حصل له عين اليقين ، ومَن دخلها وعرف أماكنها وأزقتها ، فقد حصل له حق اليقين ، وكذلك شهود الحق تعالى ، فمَن تحقق بوجوده من جهة الدليل فعنده علم اليقين ، ومَن كشف له عن حس الكائنات ، وشاهد أسرار الذات ، لكنه لم يتمكن من دوام شهودها ، فعنده عين اليقين ، ومَن تمكن مِن شهودها ورسخ في المعرفة ، فعنده حق اليقين . وبالله التوفيق ، وصلّى الله على سيدنا محمد وآله وسلّم .