Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 69, Ayat: 9-12)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحق جلّ جلاله : { وجاء فرعونُ ومَنْ قبله } أي : ومَن تقدمه . وقرأ البصري والكسائي : ومَن قِبَلَهُ بكسر القاف ، أي : ومَن عنده من أتباعه وجنوده ، ويؤيده أنه قُرىء " ومن معه " . { والمؤتفكاتُ } وهي قُرى قوم لوط لأنها ائتفَكت ، أي : انقلبت بهم ، أي : وجاء أهل المؤتفكات { بالخاطئة } بالخطأ ، أو بالفعلة ، أو الأفعال الخاطئة ، أي : ذات الخطأ ، التي من جملتها : تكذيب البعث والقيامة . { فَعَصَوا رسولَ ربهم } أي : عصت كل أمة رسولها ، حيث نهوهم عما كانوا يتعاطونه من القبائح ، { فأخَذّهم } أي : الله عزّ وجل { أخذةً رابيةً } أي : زائدة في الشدة ، كما زادت قبائحهم في القُبح ، من : ربا الشيء إذا زاد . { إِنَّا لَمَّا طغى الماءُ } ارتفع وقت الطوفان ، على أعلى جبل في الدنيا ، خمسة عشر ذراعاً ، بسبب إصرار قوم نوح على فنون المعاصي ، ومبالغتهم في تكذيبه عليه السلام وما أوحي إليه من الأحكام ، التي من جملتها أحوال الحاقة ، { حملناكم } أي : في أصلاب آبائكم ، محمولين { في الجارية } في سفينة نوح عليه السلام ، والمراد : حملهم فيها أيام الطوفان ، فالجار متعلق بمحذوف حال ، لا صلة لحملنا ، أي : رفعناكم فوق الماء ، حال كونكم محمولين في السفينة بأمرنا وحفظنا . وفيه تنبيه على أنَّ مدار حفظهم محض عصمته تعالى ، وإنما السفينة سبب صوري . { لِنجعلَها } أي : الفعلة التي هي عبارة عن إنجاء المؤمنين وإغراق الكافرين { لكم تذكرةً } عِبرة ودلالة على كمال قدرته تعالى وحكمته ، وقوة قهره ، وسعة رحمته { وتَعِيَها } أي : تحفظها . والوعي : أن تحفظ الشيء في نفسك ، والإيعاء : أن تحفظه في غيرك ، { أُذنٌ واعيةٌ } أي : أُذن مِن شأنها أن تحفظ ما يجب حفظه ، بتذكيره وإشاعته والتفكُّر فيه ، ولا تضيعة بترك العمل به . والتنكير لدلالة قلتها . قال قتادة : الأذن الواعية هي التي عقلت عن الله ، وانتفعت بما سمعت . وعن عليّ رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " سألتُ الله تعالى أن يجعلها أذنَك يا علي " قال : فما سمعتُ من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً ونسيته قط . الإشارة : وجاء فرعون النفس ، ومَن تقدمه من شواغل الدنيا ، ووساوس الشيطان ، أو مَن قِبَلَهُ من هامان الهوى ، وقارون الحظوظ ، والمؤتفكات : القلوب المُنَكَّسَةِ عن قبول الحق ، أتت بالخاطئة ، وهي الإصرار على الوقوف مع العوائد والحظوظ ، فعَصَوا رسولَ ربهم ، وهو مَن يدعوهم إلى الله ، بالخروج عن عوائدهم ، فأخذهم بالهلاك ، والبُعد والطرد عن ساحة الحضرة أخذةً رابية زائدة على قُبح فعلهم ، لتأبُّدهم في غمِّ الحجاب . إنّا لما طغا الماء ، وهو طوفان حب الدنيا ، عَمَّ الناسَ وأغرقهم في بحر الهوى ، حملناكم يا معشر أهل النسبة ، الذين أجابوا الداعي ، ودخلوا في حصن تربيته في سفينة النجاة ، ليَعْتبر بكم مَن تقدّم عنكم ومَن تأخر ، أو : لمّا طغى الماء الغيبي وظهر ، وانطبق بحر الأحدية عليكم ، حملناكم في سفينة الشريعة لئلا تصطلموا ، أو : حملناكم في سفينة الأفكار الجارية في بحار الملكوت وأسرار الجبروت ، لنجلعها لكم تذكرة وترقية وتعيها أُذن واعية راسخة في علم الربوبية ، فتدونَها في الكتب لينتفع بها مَن يروم العوم في تلك البحار ، وهذا شأن مَن غنَّى بتلك الأسرار ، كالششتري وغيره ، أو ألَّف فيها كابن عطاء الله وأمثاله ، نفع الله ببركاتهم . ثم ذكر أحوال الحاقة ، ومبادىء أهوالها ، فقال : { فَإِذَا نُفِخَ فِي ٱلصُّورِ } .