Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 132-137)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : { مهما } : اسم شرط جازم ، و { تأتنا } : شرطها ، وجملة { فما نحن } : جوابها ، قيل : مركبة ، وأصلها : " ما " الشرطية ، ضُمت إليها " ما " الزائدة ، نحو : أينما ، ثم قُلبت الألف هاء ، والمشهور : أنها بسيطة ، ومحلها : رفع بالابتداء ، أو نصب بفعل يفسره : " تأتنا " والضمير في : " به " عائد على " مهما " . يقول الحقّ جلّ جلاله : { وقالوا } أي : فرعون وقومه : { مهما تأتنا به من آيةٍ } ، وإنما سموها آية على زعم موسى ، لا لاعتقادهم ، ولذلك قالوا : { لتسحرنا بها } أي : لتسحر بها أعيينا وتشبه علينا ، { فما نحن لك بمؤمنين } . وهذا من عظيم عتوهم وانهماكهم في الكفر . قال تعالى : { فأرسلنا عليهم الطوفانَ } وهو مطر شديد نزل بهم مع فيض النيل ، حتى هدم بيوتهم وكادوا يهلكون ، وامتنعوا من الزراعة ، وقيل : الطاعون ، وقيل : الجدري ، وقيل الموتان ، { والجراد } وهو المعروف ، أكل زروعهم وثمارهم ، حتى أكل ثيابهم وأبوابهم وسقف بيوتهم ، { والقُمَّلَ } قيل : أولاد الجراد قبل نبات أجنحتها ، وقيل : البراغيث ، وقيل السوس ، والتحقيق : أنه صغار القراد ، دخل ثيابهم وشعورهم ولحاهم ، وقرىء : " القَملَ " بفتح القاف وهو القمل المعروف ، دخل ثيابهم وامتلأت منها ، { والضفادعَ } ، وهي المعروفة ، كثرت عندهم حتى امتلأت بها فروشهم وأوانيهم ، وإذا تكلم أحدهم وثب الضفدع إلى فيه . { والدمَ } صارت مياههم دمًا ، فكان يستسقي من البئر القبطي والإسرائيلي في إناء واحد ، فيخرج ما يلي القبطي دمًا ، وما يلي الإسرائيلي ماء . قال البيضاوي : رُوِي أنهم مُطِروا ثمانية أيام في ظلمة شديدة ، لا يقدر أحد أن يخرج من بيته ، ودخل الماء بيوتهم حتى قاموا فيه إلى تراقيهم ، وكانت بيوت بني إسرائيل متصلة ببيوتهم ، فلم يدخل فيها قطرة ، وركب على أرضهم فمنعتهم من الحرث والتصرف فيها ، ودام ذلك عليهم أسبوعًا ، فقالوا لموسى عليه السلام : أدع لنا ربك بما عهد عندك يكشف عنا ونحن نؤمن بك ، فدعا الله فكشف عنهم ، ونبت لهم من الكلأ والزرع والثمار ما لم يعهد مثله ، ولم يؤمنوا ، فبعث الله عليهم الجراد فأكلت زرعهم وثمارهم ، ثم أخذت تأكل الأبواب والسقوف والثياب ، ففزعوا إليه ثانيًا ، فدعا ، وخرج إلى الصحراء ، وأشار بعصاه نحو المشرق والمغرب ، فرجعت إلى النواحي التي جاءت منها ، فلم يؤمنوا ، فسلط عليهم القمل وأكل ما أبقاه الجراد ، فكان يقع في أطعمتهم ويدخل في ثيابهم وجلودهم فيمصها ، ففزعوا إليه فرفع عنهم ، فقالوا : قد تحققنا الآن أنك ساحر ، ثم أرسل الله عليهم الضفادع بحيث لا ينكشف ثوب ولا طعام إلا وُجدت فيه ، وكانت تملأ مضاجعهم ، وتثب إلى قدورهم وهي تغلي وأفواههم عند التكلم ، ففزعوا وتضرعوا ، فأخذ عليهم العهود ودعا فكشف الله عنهم ، ثم نقضوا العهد ، فأرسل الله عليهم الدم ، فصارت مياههم دمًا ، حتى يجتمع القبطي مع الإسرائيلي على الماء ، فيكون ما يلي القبطي دمًا ، وما يلي الإسرائيلي ماء ، ويمص الماء من فم الإسرائيلي فيصير دمًا في فيه ، وقيل : سلط عليهم الرعاف . هـ . { آياتٍ } أي : حال كون ما تقدم آيات { مُفصَّلاتٍ } ، مبينات ، لا تشكل على عاقل أنها آيات الله ونقمته . قيل : كان بين كل واحدة منها شهر ، وامتداد كل واحدة منها شهر ، وامتداد كل واحدة أسبوعًا ، وقيل : إن موسى ثبت فيهم ، بعد ما غلب السحرة ، عشرين سنة يريهم هذه الآيات على مهل ، { فاستكبروا } عن الإيمان { وكانوا قومًا مجرمين } أي : عادتهم الإجرام . { ولمّا وقع عليهم الرَّجزُ } يعني : العذاب المفصل ، أو الطاعون الذي أرسله عليهم بعد ذلك ، { قالوا يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك } أي : بعهده عندك ، وهو النبوة ، أو بالذي عهده إليك أن تدعوه به فيجيبك كما أجابك في آياتك . والمعنى : ادع الله متوسلاً إليه بما عهد عندك من النبوة والجاه ، أو بدعائك إليه ووسائلك ، { لئن كشفت عنا الرجز } : العذاب { لنُؤمنن لك } أي : أقسمنا بعهد الله لئن كشفت عنا الرجز لنؤمن لك { ولنرسلنَّ معك بني إسرائيل } كما طلبت ، قال تعالى : { فلما كشفنا عنهم الرِّجزَ إلى أجل هم بالغوه } إلى حد من الزمان هم بالغوه ثم يُهلكون ، وهو وقت الغرق أو الموت ، وقيل : إلى أجل عينوه لإيمانهم ، { إذا هم ينكُثُون } جواب " لَمَّا " أي : فلما كشفنا عنهم جاؤوا بالنكث من غير تأمل ولا توقف ، { فانتقمنا منهم } أي : فأردنا الانتقام منهم ، { فأغرقناهم في اليم } أي : البحر الذي لا يدرك قعره أو لجته ، { بأنهم } أي : بسبب أنهم { كذَّبوا بآياتنا } التي أرسلناها عليهم . { وكانوا عنها غافلين } أي : أغرقناهم بسبب تكذيبهم بالآيات وعدم فكرهم فيها حتى صاروا كالغافلين عنها . { وأورثنا القوم الذين كانوا يُستَضعَفون } بالاستعباد وذبح الأبناء { مشارقَ الإرضِ ومغاربها } يعني : أرض الشام ، ملكها بنو إسرائيل بعد الفراعنة والعمالقة ، وتمكنوا من نواحيها { التي باركنا فيها } بالخصب وسعة العيش ، وهي أرض الشام . وزاد ابن جزي : ومصر . { وتمّتْ كلمةُ ربك الحسنى على بني إسرائيل } أي : نفذت ومضت واستقرت ، والكلمة هنا : ما قضى في الأزل من إنقاذهم من عدوهم ، وقيل : قوله : { وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعفُواْ فِي الأَرْضِ } [ القَصَص : 5 ] وكانت حسنى لما فيها من النصر والعز ، { بما صبروا } أي : بسبب صبرهم على الشدائد { ودمَّرنا } أي : خربنا { ما كان يصنعُ فرعونُ وقومهُ } من القصور والعمارات ، { وما كانوا يعْرِشُون } من البنيان المرتفع كصرح هامان ، أو ما كانوا يرفعون من الكروم في البساتين على العرشان ، فالأول من العرش والثاني من العَريش . الإشارة : قد جرت عادة الله في خلقه أن يظهر الخواص من عباده ، فَيُنكَرُوا أو يستضعفوا ، حتى إذا طُهّروا من البقايا وتمكنوا من شهود الحق ، مَنَّ الله عليهم بالعز والنصر والتمكين ، فمنهم من يمكن من التصرف في الحس والمعنى ، ويقره الوجود بأسره ، ومنهم من يمكَّن من التصرف في الكون بهمته ، ولكنه تحت أستار الخمول ، لا يعرفه إلا من اصطفاه لحضرته ، وهذا من شهداء الملكوت ، ضنَّ به الحق تعالى فلم يظهره لخلقه . والله تعالى أعلم وأحكم . ثم ذكر نجاة موسى عليه السلام وقومه من فرعون ، وخروجهم إلى الشام ، فقال : { وَجَاوَزْنَا بِبَنِيۤ إِسْرَآئِيلَ ٱلْبَحْرَ } .