Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 150-153)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
الإشارة : { بئسما } : " ما " نكرة موصوفة : تمييز ، تفسير للضمير المستكن في بئس ، والمخصوص : محذوف ، أي : بئس شيئًا خلفتموني خلافتكم هذه ، و { ابن أم } : منادى مضاف ، منصوب بفتحة مقدرة قبل ياء المتكلم ، وأصله : ابن أمي ، فحذفت الياء ، وفتحت الميم تخفيفًا . يقول الحقّ جلّ جلاله : { ولما رجعَ موسى } من ميقاته { إلى قومه غضبان } على قومه ، { أسِفًا } أي : حزينًا عليهم حيث ضلوا ، { قال } لهم ، أو لأخيه ومن معه من المؤمنين : { بئسما خلفتُموني من بعدي } أي : من بعد انطلاقي إلى المناجاة ، { أعَجِلتُم أمرَ ربكم } أي : أسابقتم قضاء ربكم ووعده ، واستعجلتم إتياني قبل الوقت الذي قدَّر فيه ، أو أعجلتم عقوبة ربكم وإهلاكه لكم حيث عبدتم غيره . { وألقى الألواحَ } طرحها من شدة الغضب حمية للدين ، رُوِي أن التوراة كانت سبعة أسفار في سبعة ألواح ، فلما ألقاها انكسرت ، فرفع ستةَ أسبَاعِها ، وكان فيها تفصيل كل شيء ، وبقي سُبعٌ كان فيه المواعظ والأحكام ، { وأخذَ برأسِ أخيه } : بشعر رأسه { يَجرُّه إليه } توهمًا في أنه قصَّر في زجرهم ، وهارونُ كان أكبر منه بثلاث سنين ، وكان حمولاً لَيِّنًا ، ولذلك كان أحبَّ إلى بني إسرائيل ، ولما رأى هارونُ ما يفعل به أخروه { قال ابنَ أُمَّ } ذكر الأم ليرقّقه ، وكان شقيقًا له ، { إنَّ القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني } حين أنكرتُ عليهم ، فقد بذلتُ جهدي في كفهم ، وقهروني حتى قاربوا قتلي ، فلم أُقَصِّر ، { فلا تُشمت بي الأعداء } فلا تفعل بي ما يشمتون بي ، أي : يستشفون بي لأجله ، { ولا تجعلني مع القوم الظالمين } معدودًا في عدادهم بالمؤاخذة ، أو نسبة التقصير . { قال } موسى : { ربِّ أغفر لي } ما صنعتُ بأخي ، { ولأخي } إن فرَّط في كفَّهم ، { وأدخلنا في رحمتك } بمزيد الإنعام علينا ، { وأنت أرحمُ الراحمين } فأنت أرحم منا على أنفسنا . قال تعالى : { إن الذين اتخذوا العِجلَ سينالُهم غضبٌ من ربهم } وهو ما أمرهم من قتل أنفسهم ، أو الطاعون الذي سلط عليهم ، { وذلةٌ في الحياة الدنيا } وهي ضرب الجزية والهوان إلى يوم القيامة ، { وكذلك نجزي المفترين } على الله ، ولا فرية أعظم من فريتهم ، حيث { قالوا هذا إلهكم وإله موسى } ، ولعله لم يفترِ أحدٌ مثلها قبلهم ولا بعدهم ، حيث جعلوا البقر إلههم وإله الرسول ، نسأل الله الحفظ . ثم ذكر توبتهم ، فقال : { والذين عَمِلُوا السيئات } من الكفر والمعاصي ، { ثم تابوا من بعدها } من بعد السيئات { وآمنوا } واشتغلوا بما يقتضيه الإيمان من الأعمال الصالحات ، { إنَّ ربك من بعدها } من بعد التوبة { لغفورٌ رحيم } وإن عَظُم الذنب كجريمة عَبَدَة العجل وكَثُر كجرائم بني إسرائيل . الإشارة : الغضب لله وبالله ، والأسف على دين الله ، من أمارة الغَيرة على دين الله ، لكنَّ صاحب هذا المقام مالك نفسه ، يظهر الغلظة ويبطن الرحمة ، قيامًا بشهود الحكمة والقدرة ، وأما ما صدر من سيدنا موسى عليه السلام فتشريع لأهل التشريع ، لئلا يقع التساهل في تغيير المناكر . وساق الإمام الهروي هذه الآية في منازل السائرين في باب المراد ، وهو المخصوص من ربه بما لم يُرِده هو ولا خطر بباله ، والإشارة بذلك إلى الضَّنَائِن الذين وَرَدَ فيهم الخبر : " إنَّ للهِ ضَنَائِن من خَلقِه ، ألبَسَهُم النُور السَّاطِع ، وغذاهُم فِي رَحَمِتِه ، وفَعَلَ بِهم وفَعَلَ … " أورده الإمام أو نعيم في الحلية . وحاصله : أن المُرادين هم قوم مخصوصون ، ملطوف بهم ، محمول عنهم ، ومنه : { ومَا كُنتَ تَرْجُوَاْ أَن يُلْقَىَ إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلاَّ رَحْمَةً مِن رَّبِكَ } [ القَصَص : 86 ] فقد خُص عليه الصلاة والسلام بما لم يخطر على باله قبل النبوة . قال الهروي : والمراد : ثلاث درجات : الدرجة الأولى : أن يُعصمَ العبد وهو مستشرف للجفا اضطرارًا بتنغيص الشهوات وتعويق الملاذ ، وسد مسالك المعاطب عليه ، إكرامًا ، والدرجة الثانية : أن توضع عن العبد عوارض النقص ، ويعافيه من سمة اللائمة ، ويملكه عواقب الهفوات ، كما فعل لسليمان عليه السلام في قتل الخيل حمله على الريح الرُخاء ، فأغناه عن الخيل ، وكما فعل لموسى عليه السلام حين ألقى الألواح وأخذ برأس أخيه لم يعتب عليه كما عتب على آدم ونوح وداود ويونس عليهم السلام ـ . هـ . قال شارحه الإمام عبد المعطي السكندري : وهذه الدرجة أتم في الحمل على الأعمال وركوب الأهوال ، والتلطف في تعليم الإقبال مما قبلها ، فإن ما قبلها منعٌ من الشهوات وصيانة عن الآفات جبرًا وقهرًا وحفظًا ، وهذا حفظ عنها بإظهار صفح برفق وإكرام ولطف ، فتقوى المحبة في القلب ، فيحمل ذلك على سرعة الموافقة ، ومتى عرف العبد تقصيره في حق مولاه ، ورأى مع ذلك تجاوزه عنه ، وإحسانه إليه ، فضلاً عن ترك مؤاخذته بما جناه ، انغرس في قلبه محبته ، وقوى بذلك نشاطه ، وخفت عليه الأعمال ، وقويت منه الأحوال ، فكلاهما محفوظ مُعَان ، إلا أن الأول قهر مع تعلقه ، وهذا إكرام ولطف بعد جريان هفوته ، ثم ذكر الدرجة الثالثة ، فانظره . هـ . بنقل المحشي . ثم كمَّل القصة ، فقال : { وَلَماَّ سَكَتَ عَن مُّوسَى ٱلْغَضَبُ } .