Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 191-195)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحقّ جلّ جلاله : { أيُشرِكون } مع الله أصنامًا جامدة ، لا يخلقون شيئًا { وهم يُخلَقون } ، فهي مخلوقة غير خالقة . والله تعالى خالق غير مخلوق ، { ولا يستطيعون لهم نصرًا } أي : لا يقدرون أن ينصروا من عبدهم ، { ولا أنفسَهم ينصرون } فيدفعون عنها ما يعتريها ، فهي في غاية العجز والذلة ، فكيف تكون آلهة ؟ . { وإِن تدعوهم إلى الهُدى لا يتبعوكم } أي : وإن تدعو الأصنام إلى الهدى لا تجيبكم ، فلا تهتدي إلى ما دعيت إليه لأنها جمادات ، أو : وإن تدعوهم إلى أن يهدوكم إلى الحق لا تجيبكم ، { سواءٌ عليكم أدَعوتُموهم أم أنتم صامتون } عن دعائهم ، فالدعاء في حقهم وعدمه سواء ، وإنما لم يقل : أم صمتم ليفيد الاستمرار على عدم إجابتهم : لأن الجملة الاسمية تقتضي الاستمرار . ثم قال تعالى : { إن الذين تدعون من دون الله } أي : تعبدونهم وتسمونهم آلهة من دون الله ، هم { عبادٌ أمثالُكم } من حيث أنها مسخرة مملوكة ، فكيف يعبد العبد مع ربه ، { فادعوهم فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين } في أنها تستحق أن تُعبد ، والأمر للتعجيز لأن الأصنام لا تقدر أن تجيب فلا تستحق أن تعبد . ثم عاد عليهم بالنقض فقال : { ألهُم أرجلٌ يمشون بها أم لهم أيدٍ يبشطون بها أم لهم أعينٌ يبصرون بها أم لهم آذانٌ يسمعون بها } ، ومعناه : أن الأصنام جمادات عادمة للحس والجوارح والحياة ، ومن كان كذلك لا يكون إلهًا ، فإنَّ من وصف الإله الإدراك والحياة والقدرة . وإنما جاء هذا البرهان بلفظ الاستفهام لأن المشركين مقرون أن أصنامهم لا تمشي ، ولا تبطش ، ولا تبصر ، ولا تُسمع ، فلزمتهم الحجة ، والهمزة في قوله : { ألهم } : للاستفهام مع التوبيخ ، و { أم } ، في المواضع الثلاثة : تضمنت معنى الهمزة ومعنى بل ، وليس عاطفة . قاله ابن جزي : { قل ادعوا شركاءَكم } استعينوا بهم في عداوتي ، { ثم كِيدُون فلا تُنظِرُون } أي : لا تؤخرون ، فإنكم وأصنامكم لا تقدرون على مضرتي وكيدي ، ومفهوم الآية : الرد عليهم ببيان عجز أصنامهم وعدم قدرتها على المضرة . الإشارة : كل ما سوى الله قد عمه العجز والتقصير ، فليس بيده نفع ولا ضر ، وفي الحديث : " لو اجتَمَعَ الإنسُ والجنُّ على أن ينفَعُوكَ بشَيءٍ لم يَنفَعُوكَ إلاَّ بشَيءٍ قد كَتَبَه اللهَ لك ، ولو اجتَمَعُوا على أَن يَضُرُّوكَ بِشَيءٍ لم يَضُرُّوكَ إلاَّ بِشَيءٍ قَدَّرَهُ اللهُ عليكَ " أو كما قال صلى الله عليه وسلم ، فالخلق كلهم في قبضة القهر ، مصروفون بقدرة الواحد القهار ، ليس لهم أرجل يمشون بها ، ولا أيد يبطشون بها ، ولا أعين يبصرون بها ، ولا آذان يسمعون بها ، وإنما هم مجبورون في قوالب المختارين ، فلا تركن إليهم أيها العبد في شيء ، إذ ليس بيدهم شيء ، ولا تخف منهم في شيء ، إذ لا يقدرون على شيء . قال ابن جزي : وفيها أي : في الآية إشارة إلى التوكل على الله والاعتصام به وحده ، وأن غيره لا يقدر على شيء . ثم أفصح بذلك فقال : { إِنَّ وَلِيِّـيَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي نَزَّلَ ٱلْكِتَابَ } .