Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 189-190)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحقّ جلّ جلاله : { هو الذي خلقكم من نفسٍ واحدة } آدم عليه السلام ، { وجعل منها زوجها } أي : خلق من ضلعها زوجها حواء ، سلها منه وهو نائم ، { ليَسكُنَ إليها } ليستأنس بها ، ويطمئن بها اطمئنان الشيء إلى جزئه أو جنسه . { فلما تغشاها } أي : جامعها حين رُكبت فيه الشهوة ، { حملت حملاً خفيفًا } أي : خف عليها ، ولم تلق منه ما تلقى بعضُ الحبالى من حملهن من الأذى والكرب ، أو حملاً خَفيفًا ، يعني النطفة قبل تصورها ، { فمرت به } أي : ذهبت وجاءت به ، مخففة ، واستمرت إلى حين ميلاده ، { فلما أثقلت } أي : ثقل حملها وصارت به ثقيلة لكبره في بطنها ، { دَعَوا الله ربهما } آدم وحواء ، قائلين : { لئن آتيتنا } ولدًا { صالحًا } أي : سويًا سالمًا في بدنه ، تام الخلقة ، { لنكونن } لك { من الشاكرين } على هذه النعمة المجددة . { فلما آتاهما } ولدًا { صالحًا } كما سألا ، جعل أولادُهما { له شركاءَ فيما آتاهما } ، فسموا عبد العزى وعبد مناف وعبد الدار . فالآية إخبار بالغيب في أحوال بني آدم ممن كفر منهم وأشرك ، ولا يصح في آدم وحواء هذا الشرك لعصمة الأنبياء ، وهذا هو الصحيح . وقد يُعاتبُ المِلكُ الأب على ما فعل أولادهُ ، كما إذا خرجوا عن طاعته فيقول له : أولادك فعلوا وفعلوا ، على عادة الملوك . وقيل : لما حملت حواء أتاها إبليسُ في صورة الرجل ، فقال لها : وما يدريك ما في بطنك لعله بهيمة أو كلب ، وما يدريك من أين يخرج ؟ فخافت من ذلك ، ثم قال لها : إن أطعتيني ، وسميته عبد الحارث ، فسأخلصه لك ، وكان اسم إبليس في الملائكة : الحارث ، وإن عطيتني قتلته ، فأخبرت بذلك آدم ، فقال لها : إنه عدونا الذي أخرجنا من الجنة ، فلما ولدت مات الولد ، ثم حملت مرة أخرى ، فقال لها إبليس مثل ذلك ، فعصته ، فلما ولدت مات الولد ، ثم حملت مرة ثالثة ، فسمياه عبد الحارث طمعًا في حياته فقوله : { جعلا له شركاء فيما آتاهما } أي : في التسمية لا غير ، لا في عبادة غير الله . والقول الأول أصح ، لثلاثة أوجه : أحدها : أنه يقتضي براءة آدم وحواء من الشرك ، قليله وكثيره ، وذلك هو حال الأنبياء عليه السلام ـ . والثاني : أنَّ جمع الضمير في قوله : { فتعالى الله عما يشركون } ، يقتضي أن الشرك وقع من أولادهما ، لا منهما . الثالث : أن هذه القصة تفتقر إلى نقل صحيح ، وهو غير موجود . انظر : ابن جزي . الإشارة : قال الورتجبي : في قوله { ليسكن إليها } : لم يجد آدم عليه السلام في الجنة إلا سنًا تجلى الحق ، فكاد أن يضمحل بنور التجلي ، لتراكمه عليه ، فعلم الله سبحانه أنه لا يتحمل أثقال التجلي ، وعرف أنه يذوب في نور حسنه ، وكل ما في الجنة مستغرق في ذلك النور ، فيزيد عليه ضوء الجبروت والملكوت ، فخلق منه حواء ليسكن آدم إليها ، ويستوحش بها سُوَيعات من سطوات التجلي ، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها ـ : " كلميني يا حُميراء " ثم قال : وقال بعضهم : خلقها ليسكن آدم إليها ، فلما سكن إليها غفل عن مخاطبة الحقيقة ، بسكونه إليها ، فوقع فيما وقع من تناول الشجرة . هـ . فكل من سكن إلى غير الله تعالى كان سكونه بلاء في حقه ، يخرجه من جنة معارفه . والله تعالى أعلم . ثم ردَّ على من أشرك من بني آدم ، فقال : { أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ } .