Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 201-202)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : الطيف بسكون الياء ـ : مصدر طاف به الخيال يطيف طيفًا ، أو مخفف من طيّف كهين ولين وميت . ومن قرأ { طائف } : فاسم فاعل ، والمراد به : لَمَّةُ الشيطان ووسوسته . وحذف مفعول { تذكروا } للعموم على ما يأتي في المعنى . وقوله : { فإذا هم مبصرون } : أتى بإذا الفجائية ليقتضي سرعة تيقظهم ، وبالجملة الاسمية ولم يقل : تذكروا فأبصروا ليفيد أنهم كانوا على البُصرى ، وإنما السَّنة طرقتهم ثم رجعوا عنها . يقول الحقّ جلّ جلاله : { إن الذين اتَّقَوا } الشرك والمعاصي ، { إذا مسَّهُم طائفٌ من الشيطان } أي : لَمَّةُ منه ، كما في الحديث : " إنَّ للشَّيطَانِ لَمّةٌ وللمَلكِ لَمّةَ … " الخ ، فإذا أخذتهم تلك السنة وغفلوا { تذكّروا } عقابَ الله وغضبه ، أو ثواب الله وإنعامه ، أو مراقبته والحياء منه ، أو مننه وإحسانه ، أو طرده وإبعاده ، أو حجبه وإهماله ، أو عدواة الشيطان وإغواءه ، كلٌ على قدر مقامه ، فلما تذكروا ذلك { فإذا هم مبصرون } بسبب ذلك التذكر ، أي : فإذا هم على بصيرة من ربهم التي كانوا عليها قبل المس ، أو : فإذا هم مبصرون مواقع الخطأ ومكائد الشيطان فيحترزون منها ، ولا يعودون إليها بخلاف المنهمكين في الغفلة ، كما قال تعالى : { وإِخوانُهم يَمدُّونهم في الغَي } أي : وإخوان الشياطين ، الذين لم يتقوا ، يمدونهم ، أي : ينصرونهم ، ويكونون مددًا لهم في الضلال والغي بالتزيين والحمل عليه ، { ثم لا يُقصرون } لا يُمسكون عن إغوائهم حتى يُوردوهم النار ، أو : لا يقصر الكفار عن غيهم وضلالهم حتى يهلكوا . الإشارة : البصيرة حارسة للقلب ، الذي هو بيت الرب ، فإذا نامت طرقها الشيطان ، فإن كان نومها خفيفًا أحست به وطردته ، وهذه بصيرة المتقين ، الذين ذكرهم الله تعالى بقوله : { إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا } ، وإذا كان نومها ثقيلاً سرق الشيطان ما فيها ، ولم تفطن به ، وهذه بصيرة الغافلين ، الذين هم أخوان الشياطين . قال القشيري : إنما يمس المتقين طيفُ الشيطان في ساعات غفلتهم عن ذكر الله ، ولو أنهم استداموا ذكر الله بقلوبهم لما مسَّهم طائف الشيطان ، فإن الشيطانَ لا يَقَربُ قلبًا في حال شهوده الله لأنه يخنس عند ذلك ، ولكل عازمٍ فترة ، ولكلِّ عالم هفوة ، ولكل عابد شدة ، ولكل قاصد فترة ، ولكل سائر وقفة ، ولكل عارفٍ حجبة . قال عليه الصلاة والسلام ـ : " الحِدَّةُ تعتري خيار أمتي " فأخبر بأن خيار الأمة ، وإن جلت رتبتهم ، لا يتخلصون عن حدة تعتريهم في بعض أحوالهم ، فتخرجهم عن دوام الحلم . هـ . وكأنه يشير إلى أن طائف الشيطان يمس الواصلين والسائرين ، وهو كذلك بدليل أول الآية في قوله : { وإما ينزغنك … } الآية ، ومسه للسائر أو الواصل زيادة به ، وترقية له ، وتحويش له إلى ربه ، والله تعالى أعلم . ثم ردَّ الله على من طلب الآيات ، فقال : { وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قَالُواْ لَوْلاَ ٱجْتَبَيْتَهَا } .