Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 199-200)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحقّ جلّ جلاله : لنبيه صلى الله عليه وسلم : { خُذ العفوَ } أي : اليسر من أخلاق الناس ولا تبحث عنها ، أو : خذ من الناس ، في أخلاقهم وأموالهم ومعاشرتهم ، ما سهل وتيسر مما لا يشق عليهم لئلا ينفروا . فهو كقول الشاعر : @ خُذِ العَفْوَ مِنِّي تَسْتَدِيمي مَوَدَّتِي … @@ أو : خذ في الصدقات ما سهل على الناس من أموالهم وهو الوسط ، ولا تأخذ كرائم أموالهم مما يشق عليهم ، أو تمسك بالعفو عمن ظلمك ولا تُعاقبه ، وهذا أوفق لتفسير جبريل الآتي ، { وأْمر بالعُرْفِ } أي : المعروف ، وهو أفعال الخير ، أو العرف الجاري بين الناس . واحتج المالكية بذلك على الحكم بالعرف الذي يجري بين الناس . { وأعرض عن الجاهلين } أي : لا تكافىء السفهاء على قولهم أو فعلهم ، واحلم عليهم . ولمّا نَزَلَت سأل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم جبريلَ عنها ، فقال : " لا أَدري حَتَّى أسأَلَ ، فعرج ، ثم رَجَعَ فَقَالَ : يا مُحَمَدَّ ، إِنَّ الله يَأمُركَ أن تَصِلَ مَن قَطَعَك ، وتُعطِي مَن حَرَمَكَ ، وتَعفُو عَمَّن ظَلَمَكَ " . وعن جعفر الصادق : أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم فيها بمكارم الأخلاق ، وهي على هذا ثابتة الحكم ، وهو الصحيح . وقيل : كانت مداراة للكفار ، ثم نسخت بالقتال . { وإِمَا يَنزَغَنَّك من الشيطان نَزغٌ } ينخسنك منه نخس ، أي : وسوسة تحملك على خلاف ما أمرت به كاعتراء غضب ، ومقابلة سفيه ، { فاستعذ بالله } والتجىء إليه { إنه سميعٌ عليمٌ } يسمع استعاذتك ، ويعلم ما فيه صلاح أمرك ، فالاستعاذة عند تحريك النفس مشروعة ، وفي الحديث : أن رجلاً اشتد غضبه ، فقال صلى الله عليه وسلم : " إنّي لأَعلَمُ كلِمة لو قالَهَا لذَهَبَ عنهُ ما به أعُوذُ باللهِ من الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ " . الإشارة : كل ما أمر به الرسول صلى الله عليه وسلم تُؤمر به أمته ، وخصوصًا ورثته من الصوفية ، فهم مطالبون بالتخلق بأخلاقه صلى الله عليه وسلم أكثر من غيرهم ، لأن غيرهم لم يبلغ درجتهم . وقال الورتجبي : { خذ العفو } : أي : فاعف عنهم من قلة عرفانهم حقك ، { وأمر العُرف } أي : تلطف عليهم في أمرك ونهيك لهم ، فإنهم ضعفاء عن حمل وارد أحكام شرائعك وحقائقك ، { وأعرِض عن الجاهلين } الذي ليس لهم استعداد النظر إليك ، ولا يعرفون حقوقك ، فإنَّ منكر معجزات أنبيائي وكرامات أوليائي لا يبلغ إلى درجة القوم . قال بعض المشايخ حين ذكر أهل الظاهرـ : دع هؤلاء الثقلاء . هـ . فوصف علماء الظاهر بالثقلاء لثقل ظهورهم بعلم الرسوم ، فلم ينهضوا إلى حقائق العلوم ودقائق الفهوم ، وفي تائية ابن الفارض : @ وجُزْ مُثَقلاً لو خَفَّ طَفَّ مُوكلاًّ بمَنْقُولِ أَحْكَامٍ ومَعْقُولِ حِكْمَه @@ قال شارحه : أمره بالمجاوزة عن المثقلين بأثقال العلوم الظاهرة ، من الفقهاء ، والمتكلمين بأحكام المنقولات ، والفلاسفة الموكلين بالمعقولات والحكمة ، ووصف مُثقلاً بأنه : لو خف طفا ، أي : لأنه لو كان خفيفًا بوضع الأثقال عنه كان طفيفًا ، لا يرى لنفسه قدرًا ، واللازم منتف فالملزوم مثله . هـ . ثم إن البشر لا بد أن تعتريه أحكام البشرية ، كالغضب وشبهه ، كما بيَّنه الحق تعالى بقوله : { إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ } .