Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 44-47)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : { أن } : في هذه المواضع مخففة من الثقيلة ، أو : تفسيرية ، وحذف مفعول : { وعد } الثاني استغناء بمفعول وعد الأول ، أو لإطلاق الوعد ، فيتناول الثواب والعقاب . يقول الحقّ جلّ جلاله : { ونادى أصحابُ الجنةِ أصحاب النار أن قد وجَدَنا ما وعدنا ربُّنا } من النعيم { حقًا فهل وجدتم } أنتم { ما وَعَدَ ربُّكم } من البعث والحساب { حقًا } ، إنما قال أهل الجنة ذلك تبجحًا بحالهم ، وشماتة بأصحاب النار ، وتحسيرًا لهم ، فأجابهم أهل النار بقولهم : { نعم } ، قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقًا ، { فأذن مؤذن بينهم } بين الفريقين : { أن لعنةُ الله على الظالمين } الكافرين ، { الذين يصدُّون } الناس { عن سبيل الله } وهي الإسلام ، { ويبغونها } أي : يطلبون لها { عِوجًا } ، زيغًا وميلاً عما هو عليه من الاستقامة ، أو يطلبونها أن تكون ذات عوج ، { وهم بالآخرة كافرون } أي : جاحدون . { وبينهما } أي : بين الفريقين { حجابٌ } ، أو بين الجنة والنار حجاب ، يمنع دخول أثر أحدهما للأخرى ، { وعلى الأعراف } وهو السور المضروب بين الجنة والنار ، { رجالٌ } طائفة من الموحدين استوت حسناتهم وسيئاتهم ، كما في الحديث . وقال في الإحياء : يشبه أن يكونوا من لم تبلغهم الدعوة في أطراف البلاد ، فلم تكن لهم معرفة ولا جحود ولا طاعة ولا معصية ، فلا وسيلة تقربهم ، ولا جناية تبعدهم ، ولهم السلامة فقط ، لا تقريب ولا تبعيد . هـ . قلت : لكن سيأتي أنهم يدخلون الجنة . ثم وصفهم بقوله : { يعرفون كُلاًّ } من أهل الجنة والنار ، { بسيماهم } : بعلامتهم التي أعلمهم الله بها كبياض الوجوه من أهل الجنة ، وسوادها في أهل النار ، أو غير ذلك من العلامات . { ونادوا أصحابَ الجنة } ، إذا نظروا إليهم ، فقالوا لهم : { أن سلامٌ عليكم } ، أي : نادوهم بالسلام عليهم ، { لم يدخلوها } أي : الجنة ، { وهم يطمعون } في دخولها . { وإذا صُرِفت أبصارُهم تلقاءَ أصحابِ النار } أي : التفتوا إليهم على وجه القلة ، تعوذوا من حالهم ، { قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين } في النار . الإشارة : إذا وصل أهل الجد والتشمير إلى حضرة العي الكبير نادوا أهلَ البطالة والتقصير ، فقالوا لهم : قد وجدنا ما وعدنا ربنا من كشف الحجاب والدخول مع الأحباب ، حقًا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقًا كما وجدنا نحن ؟ قالوا على وجه الدعوى والغلط : نعم ، فأذن مؤذن بينهم ، بلسان الحال : أن لعنة الله على الظالمين الذين بقوا مع حظوظ أنفسهم ، ولم يخرقوا شيئًا من عوائدهم ، مع تراميهم على مراتب الرجال ، وادعائهم بلوغ غاية الكمال ، الذين يصدون عن طريق الخصوص ويبغونها عوجًا ، وهم بالخصلة الآخرة وهي إشراق نور الحقيقة على أهل التربية هم كافرون ، وبينما حجاب كبير ، وهو حجاب الغفلة ، فلا يعرفون أهل اليقظة ، وهم أهل مقام الإحسان ، بل بينهما مفاوز ومهَامِه ، كما قال الشاعر : @ تَرَكنَا البُحور الزَّخراتِ ورَاءنا فَمِن أين يَدري النَّاسُ أينَ توجَّهنَا @@ وعلى الأعراف وهو البرزخ الذي بين الحقيقة والشريعة ، رجال من أهل الاستشراف ، يعرفون كلاًّ من العوام والخواص بسيماهم ، ونادروا أصحاب الجنة أي : الواصلين إلى جنة المعارف : أن سلام عليكم لم يدخلوها وهم يطمعون ، لأنهم في حالة السير وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار ، أي : نار الحجاب والتعب ، وهم العوام ، قالوا : ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين . ثم ذكر شماتة أهل الأعراف بأهل النار ، فقال : { وَنَادَىٰ أَصْحَابُ ٱلأَعْرَافِ رِجَالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ } .