Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 42-43)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : جملة { لا نُكلف } : معترضة بين المبتدأ والخبر للترغيب في اكتساب النعيم المقيم ، بما تسعه طاقتهم ، ويسهل عليهم ، و { ما كنا لنهتدي } : اللام لتأكيد النفي ، وجواب " لولا " : محذوف ، أي : لولا هدايته إيانا ما اهتدينا . يقول الحقّ جلّ جلاله : { والذين آمنوا } بالرسل ، { وعملوا } الأعمال { الصالحات } على قدر طاقتهم ، { لا نكلِّف نفسًا إلا وُسعَها } أي : ما تسعه طاقتها ، فمن فعل ذلك فـ { أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون ونزعنا ما في صدورهم من غِلٍّ } أي : نُخرج مِن قلوبهم كل غل وعدواة ، ونطهرها منه ، حتى لا يكون بينهم إلا التودد ، فيصيرون أحبابًا وإخوانًا ، وإما عبّر بالماضي لتحقق وقوعه ، كأنه وقع ومضى ، وكذلك ما يجيء بعدها ، ثم وصف الجنة فقال : { تجري من تحتهم } أي : من تحت قصورهم ، { الأنهارُ } من عسل وخمر وماء ولبن زيادة في لذتهم وسرورهم ، فالقصور مرتفعة في الهواء ، والأنهار تجري تحتها . { وقالوا } حينئذٍ : { الحمد لله الذي هدانا لهذا } أي : لما جزاؤه هذا النعيم من الإيمان في الدنيا والعمل الصالح ، { وما كنا لنهتدي } بأنفسنا { لولا أن هدانا الله } بتوفيقه وإرادته ، { لقد جاءت رُسلُ ربنا بالحق } فاهتدينا بإرشادهم ، يقولون ذلك اغتباطًا وتبجحًا بأن ما عملوه في الدنيا يقينًا ، صار لهم عين اليقين في الآخرة ، { ونُودوا } أي : نادتهم الملائكة ، أو الحق تعالى : { أن تلكُم الجنةُ } أي : هذه الجنة { أُورِثتُموها } أي : أُعطِيتموها { بما كنتم تعملون } أي : بسبب أعمالكم ، وهذا باعتبار الشريعة ، وأما باعتبار الحقيقة فكل شيء منه وإليه . ولذلك قال صلى الله عليه وسلم : " لَن يُدخِلَ الجنَّةَ أحدَكم عَمُلهُ ، قالوا : ولا أنت ، قال : ولا أنا ، إلاَّ أن يَتَغَمَّدَنِيَ الله برحمَتِه " فالشريعة تنسب العمل للعبد ، والحقيقة تعزله عنه ، وقد آذنت بها الآية قبله بقوله : { وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله } ، فقد نطقوا بما تحققوا به يوم القيامة . وقال القشيري : إنما قال : { أورثتموها بما كنتم تعملون } تسكينًا لقلوبهم ، وتطييبًا لهم ، وَإلاَّ ، فإذا رأوا تلك الدرجات ، علموا أن أعمالهم المشوبة لم تبلغ تلك الدرجات . هـ . وعن ابن مسعود أنه قال : يجوزون الصراط بعفو الله ، ويدخلون الجنة برحمة الله ، ويقتسمون المنازل بأعمالهم . هـ . الإشارة : والذين آمنوا بطريق الخصوص ، وعملوا الأعمال التي تناسبها ، من خرق العوائد واكتساب الفوائد ، والتخلية من الرذائل والتحلية بأنواع الفضائل على حسب الطاقة أولئك أصحاب جنة المعارف ، هم فيها خالدون في الدنيا والآخرة ، قد نزع الله من قلوبهم المساوىء والأكدار ، وطَهَّرها من جملة الأغيار ، حتى صاروا إخوانًا متحابين لا لَغوَ بينهم ولا تأثيم ، تجري من تحت أفكارهم أنهار العلوم ، وتفتح لهم مخازن الفهوم ، فإذا تمكنوا من هذه الحضرة قالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ، تحققوا أنهم محمولون بسابق العناية ، محفوفون بعين الرعاية ، فتحققوا بما جاءت به الرسل من عند الله ، وما نالوه على يد أولياء الله من الذوق والوجدان ، وكشف الغطاء عن عين العيان ، منحنا الله من ذلك حظًا وافرًا ، بمنِّه وكرمه . ثم ذكر تبجح أهل الجنة على أهل النار ، فقال : { وَنَادَىۤ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ أَصْحَابَ ٱلنَّارِ } .