Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 50-53)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : { هدى ورحمة } : حال من مفعول { فصَّلناه } ، { فيشفعوا } : جواب الاستفهام ، { أو نُرد } بالنصب : عطف عليه ، وبالرفع : استئناف ، فعلى الأول : المسؤول أحد الأمرين إما الشفاعة أو الرد ، وعلى الثاني : المسؤول الشفاعة فقط . يقول الحقّ جلّ جلاله : { ونادى } ، يوم القيامة ، { أصحابُ النار أصحابَ الجنةِ أن أفيضُوا } أي : صبوا { علينا من الماء } ، وفيه دليل على أن الجنة فوق النار ، أو : صبوا علينا مما رزقكم الله من سائر الأشربة ، ليلائم قوله { أفيضوا } ، أو : من الطعام على حذف الفعل ، أي : أو أعطونا مما رزقكم الله ، { قالوا إن الله حرمهما على الكافرين } ، أي : منعهما عنهم ، { الذين إتخذوا دينهم لهوًا ولعبًا } كتحريم البحائر والسوائب ، والتصدية حول البيت ، والطواف به عريانًا ، وغير ذلك مما أحدثوه ، واللهو : صرف القلب إلى ما لا يحصل به نفع أخروي . واللعب : طلب الفرح بما لا يحسن أن يطلب به لخلوه عن منفعة دينية ، { وغرّتهم الحياة الدنيا } بأن أنستهم القيامةَ ، { فاليوم نَنساهُم كما نَسُوا لقاءَ يومهم هذا } ، والكاف : أي : ننساهم لأجل نسيانهم لقاء يومهم هذا ، فلم يخطروه ببالهم ، ولم يستعدوا له ، { وما كانوا بآياتنا يجحدون } أي : نُهملهم لأجل إهمالهم الاستعداد للقاء ، وإهمالهم آياتنا حتى جحدوا أنها من عند الله . { ولقد جِئناهم بكتاب فصّلناه على علمٍ } أي : بيَّنا معانيه من العقائد والأحكام والمواعظ ، مفصلةً { على علم } ، أي : عالمين بوجه تفصيله حتى جاء في غاية الإتقان ، { وهدىً ورحمةً لقوم يؤمنون } فإنهم المنتفعون بهدايته ورحمته دون غيرهم . { هل ينظرون } أي : ما ينتظر الكفار به { إلا تأويلَه } ، أي : ما يؤول إليه أمره من تبين صدقه ، بظهور ما نطق به من الوعد والوعيد ، بقيام الساعة وما بعدها ، { يوم يأتي تأويلُه } بظهور ما نطق به ، { يقول الذين نَسُوه من قبل } ، ولم يؤمنوا به : { قد جاءت رسُل ربنا بالحق } أي : قد تبين أنهم جاؤوا بالحق ، وحصل لهم اليقين حيث لم ينفع ، ثم طلبوا من يشفع فيهم فقالوا : { فهل لنا من شفعاءَ فيشفعوا لنا } اليوم ، { أو نُردُّ } أي : وهل نرد إلى الدنيا { فنعملَ غيرَ الذي كنا نعملُ } فنستبدل الكفر بالإيمان ، والعصيان بالطاعة والإذعان ، أو : فيشفعوا لنا في أحد الأمرين : إما السلامة من العذاب ، أو الرد إلى الدنيا فنستبدل الكفر بالإيمان . قال تعالى : { قد خسروا أنفسهم } أي : بخسوها بسوء أعمالهم وكفرهم ، { وضلَّ عنهم ما كانوا يفترون } أي : غاب عنهم افتراؤهم فلم ينفعهم . الإشارة : إذا وصل أهل الجد والتشمير إلى حضرة العلي الكبير ، وأفاض عليهم من ماء غيبه ، حتى امتلأت قلوبهم وأسرارهم ، فأثمر لهم العلوم اللدنية والأسرار الربانية ناداهم أهل البطالة والتقصير : أفيضوا علينا من الماء الذي سقاكم الله منه ، أو مما رزقكم من العلوم والمعارف . قالوا : إن الله حرمهما على البطالين الذين اتخذوا طريق القوم لهوًا ولعبًا ، وغرتهم الحياة الدنيا فقبضتهم في شبكتها ، فيقول تعالى : فاليوم ننساهم من لذيذ مشاهدتي ، وحلاوة معرفتي ، كما نسوا لقائي بشهود ذاتي ، وأنكروا على أوليائي وأهل معرفتي ، وجحدوا وجود التربية وحجروا على قدرتي ، ولقد جئناهم بكتاب فصّلنا فيه كل شيء فقلنا فيه : { مَا نَنسَخْ مِنْ ءَايَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأتِ بِخَيْرٍ مِنْهَآ أَوْ مِثْلِهَآ } [ البَقَرَة : 106 ] إلى يوم القيامة ، هل ينظرون إلا تأويله ؟ يوم يأتي تأويله بظهور درجات المقربين ، في أعلى عليين ، حينئذٍ يحصل لهم اليقين بوجود المقربين ، أو بالتربية النبوية في كل زمان وحين ، فيطلب الشفاعة في اللحوق بهم ، أو يرد إلى العمل بعملهم … هيهات ! قد بُعثر ما في القبور ، وحُصّل ما في الصدور ، فخسر المبطلون ، وفاز المجتهدون السابقون . جعلنا الله منهم بمنِّه وكرمه . ثم عرَّف الحق جل جلاله بنفسه ليعرفه من أراد معرفته في الدنيا ، فقال : { إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ } .