Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 71, Ayat: 1-4)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحق جلّ جلاله : { إِنَّا أرسلنا نوحاً } وهو أول أُلي العزم . قيل : معناه بالسريانية : الساكن ، وقيل : سمي له لكثرة نوحه شوقاً إلى ربه ، { أنْ أَنْذِر قَوْمَكَ } أي : بأن أنذر ، فحذف الجار وأوصل الفعل ، ومحله عند الخليل : الجر : وعند غيره : نصب ، أو : " أنْ " مفسرة لأنَّ الإرسال فيه معنى القول ، فلا يكون للجملة محل ، وقُرىء : " أنذر " بغير " أنْ " ، أي : خوّف قومك { مِن قبل أن يأتيهم عذابٌ أليم } عذاب الآخرة ، أو الطوفان ، لئلا يبقى لهم عذر أصلاً . { قال يا قوم } ، أضافهم إلى نفسه إظهاراً للشفقة { إِني لكم نذير مبينٌ } مُنذِر موضّح لحقيقة الأمر ، أُبين لكم رسالة ربي بِلُغةٍ تعرفونها ، { أنِ اعبدُوا اللهَ } أي : وحّدوه و " أنْ " هذه نحو " أن أنذر " على الوجهين ، { واتقوه } واحذروا عصيانه ، { وأطيعونِ } فيما آمركم به وأنهاكم عنه ، وإنما أضافه إلى نفسه لأنَّ الطاعة تكون لغير الله بخلاف العبادة ، وطاعته هي طاعة الله . { يغفرْ لكم من ذنوبكم } أي : بعض ذنوبكم وهو ما سلف في الجاهلية ، فإنَّ الإسلام يَجُبُّه ، إلاّ حقوق العباد فإنه يؤديها ، وقيل : " مَن " لبيان الجنس ، كقوله : { فَٱجْتَنِبُواْ ٱلرِجْسَ مَنَ ٱلأَوْثَآنِ } [ الحج : 30 ] . قال ابن عطية : وكونها للتبعيض أبين لكونه لو قال : يغفر لكم ذنوبكم لعَمّ هذا اللفظ ما تقدّم به من الذنوب وما تأخر عن إيمانهم ، والإسلام إنما يَجُب ما قبله . هـ . قال القشيري : ولأنه لو أخبرهم بغفران ما تقدّم وما تأخّر لكان إغراءً لهم ، وذلك لا يجوز . هـ . { ويُؤخِّرْكُم إِلى أَجَلٍ مُسَمَّى } وهو وقت موتكم ، فتموتون عند انقضاء آجالكم الذي تعرفونه من غير غرق ولا هلاك استئصال ، فإن لم تؤمنوا عاجَلَكم بالعذاب ، فيكون هو آجالكم ، ولمّا كان ربما يتوهم أنَّ الأجل قد يتقدّم ، رَفَعَه بقوله : { إنَّ أَجَلَ اللهِ } وهو الموت عند تمام الأجل { إِذا جاء لا يُؤخَّرُ لو كنتم تعلمون } أي : لو كنتم تعلمون لسارعتم إلى الإيمان قبل مجيئه ، فلا حُجة فيه للمعتزلة . وانظر ابن جزي . الإشارة : قال القشيري : إنَّا أرسلنا الروح إلى قومه ، وهم : النفس والهوى وصفاتهم الظلمانية الطبيعية أن أنذرهم عن المخالفة الشرعية ، مِن قبل أن يأتيهم عذاب القطيعة ، قال : يا قوم إني لكم نذير بيِّن الإنذار ، أن اعبُدوا الله ، بأن تُحبوه وحده ، ولا تُحبُّوا معه غيره ، من الدنيا ، وشهواتها وزخارفها ، واتقوا بأن لا تروا معه سواه ، وأطيعوني في أقوالي وأفعالي وأخلاقي وصفاتي ، يغفر لكم ذنوب وجودكم ، فيُغطيه بنور وجوده ، ويُؤخركم إلى أجلٍ مسمى ، بتسْمية الأزل ، إنَّ أجل الله بالموت الحسي والمعنوي ، لا يُؤخَّر ، لو كنتم تعلمون ، لكن انهماككم في حب الدنيا بعّد عنكم الأجل . هـ . بالمعنى . ثم أخبر عن نوح وما لقي من قومه ، فقال : { قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي } .