Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 77, Ayat: 1-7)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحق جلّ جلاله : { والمُرسلاتِ } أي : والملائكة المرسلات { عُرْفاً } أي : بالمعروف من الأمر والنهي ، وانتصابه بإسقاط الخافض ، أو : فضلاً وإنعاماً ، فيكون نقيض المنكر ، وانتصابه على العلة ، أي : أرسلهن للإنعام والإحسان ، أو : متتابعة ، وانتصابه على الحال ، أي : يتلو بعضها بعضاً ، وفي القاموس : عُرفاً ، أي : بعضٌ خلف بعض . هـ . { فالعاصفاتِ عَصْفاً } أي : تعصفن في مُضِيهنّ عصف الرياح ، { والناشراتِ } أجنحتها في الجو { نَشْراً } عند انحطاطها بالوحي ، أو : الناشرات للشرائع نشراً في الأقطار ، أون : الناشرات للنفوس الميتة بالكفر والجهل بما أوحين من الإيمان والعلم . { فالفارقات } بين الحق والباطل { فرقاً } ، { فالملقيات } ، إلى الأنبياء { ذِكْراً عُذْراً } للمحقّين { أو نُذْراً } للمبطلين ، ولعل تقديم النشر على الإلقاء للإيذان بكونه غاية للإلقاء ، فهو حقيق بالاعتناء به . أو : والرياح المرسلات متتابعة ، فتعصف عصفاً ، وتنشر السحاب في الجو نشراً ، وتفرّق السحاب فرقاً على المواضع التي أراد الله إن يُمطر عليها ، فيلقين ذكراً ، أي : موعظة وخوفاً عند مشاهدة آثار قدرته تعالى ، إمّا عذراً للمعتذرين إلى الله تعالى برهبتهم وتوبتهم ، وإمّا نُذراً للذين يكفرونها وينسبونها إلى الأنواء . أو يكون تعالى أقسم بآيات القرآن المرسلة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فعصفن سائر الكتب بالنسخ ، ونشرن آثار الهدى في مشارق الأرض ومغاربها وفرقن بين الحق والباطل ، فألقين الحق في أكناف العالمين ، عذراً للمؤمنين ، ونُذراً للكافرين . قال ابن جزي : والأظهر في المرسلات والعاصفات : أنها الرياح لأنَّ وصف الريح بالعصف حقيقة ، والأظهر في الناشرات والفارقات : أنها الملائكة لأنَّ الوصف بالفارقات أليق بهم ، ولذلك عطف المتجانسين بالفاء ، ثم عطف ما ليس من جنسهما بالواو . هـ مختصراً . ثم ذكر المُقْسَم عليه ، فقال : { إِنَّ ما تُوعدون } أي : إن الذي تُوعدونه من مجيء يوم القيامة ونزول العذاب بكم { لواقع } لا محالة . الإشارة : أقسم تعالى بنفوس العارفين ، المرسَلة إلى كل عصر ، بما يُعرف ويُستحس شرعاً وطبعاً ، من التطهير من الرذائل والتحلية بالفضائل ، فعصفت البدعَ والغفلة من أقطار الأرض عصفاً ، ونشرت الهداية في أقطار البلاد ، وحييت بهم العباد ، ففرقت بين الحق والباطل ، وبين أهل الغفلة واليقظة ، وبين أهل الحجاب وأهل العيان ، فألقت في قلوب مَن صَحبها ذكراً حتى سرى في جميع أركانها ، فأظهرت عُذراً للمنتسبين الذاكرين ، ونُذراً للمنكرين ، الغافلين . قال البيضاوي : أو أقسم بالنفوس الكاملة المرسلة إلى الأبدان لاستكمالها ، فعصفن ما سوى الحق ، ونشرن أثر ذلك في جميع الأعضاء ، وفرقن بين الحق بذاته ، والباطل في نفسه ، فرأوا كل شيء هالكاً إلاّ وجهه ، وألقين ذكراً ، بحيث لا يكون في القلوب والألسنة إلاّ ذكر الله تعالى . هـ . ثم ذكر وقت ما أقسم عليه ، فقال : { فَإِذَا ٱلنُّجُومُ طُمِسَتْ } .