Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 77, Ayat: 8-15)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحق جلّ جلاله : { فإِذا النجومُ طُمِستْ } مُحيت ومُحقت ، أو ذُهب بنورها . وجواب " إذا " محذوف ، وهو العامل فيها ، أي : وقع الفصل ونحوه ، أو : وقع ما وُعدتم به . و " النجوم " : فاعل بمحذوف يُفسره ما بعده ، { وإِذا السماءُ فُرِجَتْ } فُتحت فكانت أبواباً لنزول الملائكة ، { وإِذا الجبال نُسِفَتْ } قُطعت من أماكنها ، وأُخذت من مقارها بسرعة ، فكانت هباءً منبثاً ، { وإِذا الرُسل أُقِتَتْ } أي : وُقتت وعُين لهم الوقت الذي يحضرون للشهادة على أممهم ، فَفَجَأن ذلك الوقت ، وجُمعت للشهادة على أممهم ، أي : وإذا الرسل عاينت الوقت الذي كانت تنتظره ، { لأيَّ يوم أُجِّلَتْ } أي : ليوم عظيم أخّرت وأُمهلت ، وفيه تعظيم لليوم ، وتعجيب من هوله . والتأجيل من الأجل ، كالتوقيت من الوقت . ثم بيّن ذلك اليوم ، فقال : { ليوم الفصْلِ } أي : أُجِّلت ليوم يفصل فيه بين الخلائق ، وقال ابن عطاء : هو اليوم الذي يفصل فيه بين المرء وقرنائه وإخوانه وخِلاّنه ، إلاّ ما كان منها للّه وفي الله . هـ . وهو داخل في الفصل بين الخلائق ، وجزء من جزئياته ، { وما أدراك ما يومُ الفصل } أي : أيّ شيء جعلك دارياً ما هو يوم الفصل ، فوضع الظاهر موضع الضمير ، تهويل وتفظيع لشأنه ، { ويل يومئذٍ للمكذِّبين } بذلك اليوم ، أي : ويل لهم في ذلك اليوم الهائل ، و " ويل " أصله : مصدر منصوب بفعل سدّ مسده ، لكن عدل به إلى الرفع على الابتداء ، للدلالة على ثبات الهلاك ودوامه للمدعوّ عليه ، و " يومئذ " ظرف له ، و " للمكذِّبين " خبره ، أي : الويل في ذلك اليوم حاصل لهم . قال ابن عطية : وأمّا تكرير قوله تعالى : { ويل يومئذ للمكذِّبين } في هذه السورة ، فقيل : لمعنى التأكيد فقط ، وقيل : بل في كل آية منها ما يقتضي التصديق ، فجاء الوعيد على التكذيب بذلك . هـ . وهذا الآخر هو الصواب وسيأتي التنبيه عليه في كل آية . الإشارة : إذا أشرقت شموس العرفان ، وبدت أسرارُ الذات للعيان ، انطمس نور نجوم علم الفروقات الكونية ، والفروعات الوهمية ، ولم يبقَ إلاّ علم الوحدة الذاتية ومعنى انطماسها : الغيبة عنها والفناء عنها بما هو أمتع وأحلى منها ، من شهود الذات الأقدس ، والاستغراق في شهود أنوارها وأسرارها . وإذا السماء ، أي : سماء الأرواح فُرجت عنها ظُلمة الحس ، فظهرت للعيان . واعلم أنَّ أرض الأشباح وسماء الأرواح محلهما واحد ، وإنما تختلف باختلاف النظرة ، فَمَن نَظَر الأشياءَ بعين الفرق في محل الحدوث تُسمى في حقه عالم الأشباح ، ومَن رآها بعين الجمع في مقام القِدَم تسمى في حقه عالم الأرواح ، والمظهر واحد . وإذا الجبال جبال الوهم والخيالات ، أو : جبال العقل الأصغر ، نُسفت ، أي : تلاشت وذهبت ، وإذا الرسل أي : الدعاة إلى الله من أهل التربية ، أُقتت : عُين لها وقت وقوع ذلك ، وهو يوم الفتح الأكبر بالاستشراف على الفناء في الذات ، وأي يوم ذلك ، وهو يوم لقاء العبد ربه في دار الدنيا ، وهو يوم الفصل ، يفصل فيه بين الخصوص والعموم ، بين المقربين وأهل اليمين ، بين أهل الشهود والعيان وأهل الدليل والبرهان ، ويل يومئذ للمكذِّبين بطريق هذا السر العظيم . ثم استدلّ على ذلك ، فقال : { أَلَمْ نُهْلِكِ ٱلأَوَّلِينَ } .