Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 77, Ayat: 41-50)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحق جلّ جلاله : { إِنَّ المتقين } الكفرَ والتكذيب { في ظلالٍ } ممدودة { وعيون } جارية { وفواكهَ مما يشتهون } مما يستلذون من فنون الترفُّه وأنواع التنعُّم . يقال لهم : { كُلوا واشربوا } ، فالجملة : حال من الضمير المستقر في الظرف ، أي : هم يستقرُّون في ظلالٍ مقولاً لهم : { كلوا واشربوا هنيئاً } لا تباعة عليه ولا عتاب ، { بما كنتم تعملون } في الدنيا من الأعمال الصالحة ، { إنَّا كذلك } أي : مثل هذا الجزاء العظيم { نجزي المحسنينَ } في عقائدهم وأعمالهم ، فأحسِنوا تنالوا مثل هذا أو أعظم . { ويل يومئذ للمكذبين } بهذا ، حيث نال المؤمنون هذا الجزاء الجزيل ، وبقوا هم في العذاب المخلَّد الوبيل . ويُقال لهم في الدنيا على وجه التحذير : { كُلوا وتمتعوا } كقوله : { اعْمَلُواْ مَا شِئْتُمْ } [ فصلت : 40 ] أو : في الآخرة ، أي : الويل ثابت لهم ، مقولاً لهم ذلك ، تذكيراً لهم بحالهم في الدنيا ، بما جَنوا على أنفسهم من إيثارهم المتاع الفاني عن قريب على التمتُّع الخالد ، أي : تمتّعوا زمناً { قليلاً } أو متاعاً قليلاً ، لأنَّ متاع الدنيا كله قليل ، { إِنكم مجرمون } أي : كافرون ، أي : إنَّ كلّ مجرم يأكل ويتمتّع أياماً قلائل ، ثم يبقى في الهلاك الدائم . { ويل يومئذ للمكذِّبين } ، زيادة توبيخ وتقريع ، أو : ويل يومئذ للمكذِّبين الذين كذَّبوا . { وإِذا قيل لهم اركعوا } أي : أطيعوا الله واخشعوا وتواضعوا للّه ، بقبول وحيه واتباع رسوله ، وارفضوا هذا الاستكبار والنخوة ، { لا يركعون } لا يخشعون ولا يقبلون ذلك ، ويُصرون على ماهم عليه من الاستكبار . وقيل : وإذا أُمروا بالصلاة لا يفعلون ، إذ رُوي أنها نزلت حين أمر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ثقيفاً بالصلاة ، فقالوا : لا ننحني ، فإنها خسّة علينا ، فقال صلى الله عليه وسلم : " لا خير في دين ليس فيه ركوع ولا سجود " وقيل : هو يوم القيامة ، حين يُدْعَوْن إلى السجود فلا يستطيعون . { ويل يومئذ للمكذِّبين } بأمره ونهيه . وفيه دلالة على أنَّ الكفار مخاطبون بالفروع . { فبأيِّ حديث بعده } أي : بعد القرآن الناطق بأحاديث الدارين ، وأخبار النشأتين ، على نمط بديع ، ولفظ بليغ مُعجِز ، مؤسس على حُجج قاطعة ، وأنوار ساطعة ، فإذا لم يؤمنوا به { فبأي حديثٍ بعده يؤمنون } أي : إن لم يؤمنوا بالقرآن ، مع أنه آية مبصرة ، ومعجزة باهرة ، من بين الكتب السماوية ، فبأي كتاب بعده يؤمنون ؟ فينبغي للقارىء أن يقول : آمنت بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر . الإشارة : إنَّ المتقين ما سوى الله في ظلال التقريب ، وبرد التسليم ، ونسيم الوصال ، فما أطيب نسيمهم وما ألذ مشربهم ، كما قال الشاعر : @ يا نسيمَ القُرب ما أطيبكا ذاق طعم الأُنس مَن حَلَّ بكا أيُّ عيشٍ لأناس قُرِّبوا قد سُقوا بالقدس من مشربكا @@ { وعيون } أي : مناهل الشرب من رحيق الوجدان ، وفواكه النظر ، مما يشتهون ، أي : وقت يشتهون ، كُلوا من رزق أرواحكم وأسراركم ، وهو الترقي في معاريج العرفان ، وأشربوا من رحيق أذواقكم ، هنيئاً بما كنتم تعملون أيام مجاهدتكم ، إنَّا كذلك نجزي المحسنين المتقين علومَهم وأعمالَهم . ويل يومئذ للمكذِّبين بطريق هذا المقام الرفيع ، يُقال لهم : كُلوا وتمتّعوا وانهمكوا في الشهوات أياماً قلائل ، إنكم مجرمون ، وسيندم المفرّط إذا حان وقت الحصاد . وإذا قيل لهم : اخضعوا لمَن يُربيكم ويُرقيكم إلى تلك المراتب العلية المتقدمة للمتقين ، لا يخضعون ، فالويل لهم على تكذيبهم ، فبأي حديث وأيّ طريق بعد هذا يؤمنون ، وأيّ طريق يسلكون ، وبأيّ كتاب يهتدون ؟ إن حادوا عن طريق السلوك على أيدي الرجال ، فماذا بعد الحق إلاّ الضلال . وبالله التوفيق ، وصلّى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه ، وسلّم .