Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 77, Ayat: 29-40)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحق جلّ جلاله للكفرة المكذِّبين : { انطلِقوا } أي : سيروا { إِلى ما كنتم به تُكَذِّبون } من النار المؤبَدة عليكم ، { انطلقوا إِلى ظِلًّ } دخان جهنم { ذي ثَلاثٍ شُعَبٍ } ، يتشعّب لِعظَمه ثلاث شعب ، كما هو شأن الدخال العظيم ، تراه يتفرّق ذوائب ، وقيل : يخرج لسان من النار يحيط بالكفار كالسرداق ، ويتشعّب من دخانها ثلاث شُعب ، فتُظلم حتى يفرغ من حسابهم ، والمؤمنون في ظل العرش . قيل : الحكمة في خصوصية الثلاث : أن حجاب النفس عن أنوار القدس ثلاث ، الحس والخيال والوهم ، وقيل : إنّ المؤدِّي إلى هذا العذاب هو القوة الوهمية الشيطانية ، الحالة في الدماغ ، والقوة الغضبية التي عن يمين القلب ، والقوة الشهوانية البهيمية التي عن يساره ، ولذلك قيل : تقف شُعبة فوق الكافر وشُعبة عن يمينه ، وشُعبة عن يساره . ثم وصف ذلك الظل بقوله : { لا ظليلٍ } أي : لا مُظِلّ من حرّ ذلك اليوم أو من حرّ النار ، { ولا يُغنِي من اللهب } أي : وغير مغنٍ عن حر اللهب شيئاً لعدم البرودة فيه ، وهذا كقوله : { وَظِلٍ مِن يَحْمُومٍ لاَّ بَارٍدٍ َولآ كَرِيمٍ } [ الواقعة : 43 ، 44 ] ، { إِنها ترمي بشَرَرٍ } وهو ما تطاير من النار { كالقَصْرِ } في العِظم ، أي : كل شررة كقصر من القصور في العِظم . وقيل : هو الغليظ من الشجر ، الواحدة : قَصْرةٌ ، كجمْر وجمرة ، { كأنه جمالاتٌ } جمع جَمَلَ . وقرأ أهل الكوفة ، غير شعبة " جِمَالةٌ " وهو أيضاً جمع جَمَل ، وجمالات جمع الجمع . { صُفرٌ } فإنَّ الشرار لِما فيه من النار يكون أصفر ، وقيل : سود لأنَّ سواد الإبل يضرب إلى الصفرة ، والأول تشبيه لها في العِظم ، وهذا في اللون والكثرة والتتابع والاختلاط . وقيل : الضمير في " إنه " يعود إلى القصر ، فيذهب به إلى تصوير عجيب وتطوير غريب . شبهت الشرارة حين تنقض من النار في العظم بالقصر ، ثم شبّه القصر المشبّه به ، حين يأخذ في الارتفاع والانبساط بأن ينشق عن أعداد لا نهاية لها بالجمالات المتكاثرة ، فيتصوّر فيها حينئذٍ العِظَم أولاً ، والانشقاق مع الكثرة والصُفرة والحركة ثانياً ، فيبلغ بالتشبيه إلى الذروة العليا . هـ . من الحاشية . { ويل يومئذٍ للمكذّبين } بنارٍ هذه صفتها مع شواهد القدرة على ذلك وعلى أكبر منه ، { هذا يومُ لا ينطقون } ، الإشارة إلى وقت دخولهم النار ، أي : هذا يوم لاينطقون فيه بشيءٍ ، إمَّا لأنَّ السؤال والجواب والحساب قد انقضت قبل ذلك ، ويوم القيامة طويل له مواطن ومواقيت ، فينطقون في وقتٍ دون وقتٍ ، فعبّر عن كل وقت بيوم ، أو : لا ينطقون بشيءٍ ينفعهم ، فإنَّ ذلك كلا نُطق . وقُرىءَ بنصب اليوم ، أي : هذا الذي ذكروا وقع يومَ لا ينطقون ، { ولا يُؤذَنُ لهم } في الاعتذار { فيعتذِرُون } : عطف على " يُؤذَن " منخرط في سلك النفي ، أي : لا يكون لهم إذن ولا اعتذار يتعقب له ، وليس الإذن سبباً للأعتذار وإلاّ لنصب . قال الطيبي عن صاحب الكشف : التقدير : هذا يوم لا ينطقون بمنطق ينفعهم ، ولا يعتذرون بعذرٍ يدفع عنهم ، فـ " يعتذرن " داخل في النفي ، ولو حملناه على الظاهر لتَنَاقض لأنه يصير : هذا يوم لا ينطقون فيعتذرون لأن الاعتذار نُطق أيضاً . هـ . { ويل يومئذٍ للمكذِّبين } بالبعث وما بعده . { هذا يومُ الفَصْلِ } بين الحق والباطل ، أو : بين المُحق والمُبطل ، { جمعناكم } فيه ، والخطاب لأمة محمد صلى الله عليه وسلم { والأولينَ } من الأمم ، فيقع الفصل بين الخلائق ، { فإِن كان لكم كَيْدٌ } هنا كما كان في الدنيا { فكِيدُونِ } فإنَّ جميع مَن كنتم تُقلدون وتقتدُون بهم حاضرون معكم . وهذا تقريع لهم على كيدهم للمؤمنين في الدنيا ، وإظهار لعجزهم هناك ، { ويل يومئذٍ للمكذِّبين } بهذا ، حيث أظهر ألاَّ حِيلة لهم في الخلاص من العذاب . الإشارة : انطلِقوا إلى ضد ما كنتم به تُكذِّبونن مِن رفع درجات المجتهدين المقربين وسقوط درجة البطالين ، فانحطوا إلى نار البُعد والحجاب . وتكذيبهم بذلك هو من حيث لم يعملوا بمقتضاه . انطلقوا إلى ظل الحجاب ، ذي ثلاث شُعب ، تشعب عليه الحجاب ، وانسدل عليه ثلاث مرات ، ظِل حجاب الغفلة ، وظِل حجاب الهوى ، وظِل حجاب حس الكائنات . لا ظليل ليس فيه نسيم القُرب ، ولا برد الرضا والتسليم ، ولا يُغني من لهب حر القطيعة والبُعد ، أو حرّ التدبير والاختيار ، إنها ترمي بشررٍ ، مَن كان باطنه في نار القطيعة رمَى بشررها على ظاهره ، فيظهر منه الغضب والقسوة والغِلظة والفظاظة . قال القشيري : يُشير إلى ما يترتب على هذه الشُعب من الأوصاف البهيمية والسبُعية والشيطانية ، وأنَّ كل صفة منها بحسب الغلظة والشدة كالقصور المرتفعة ، والبروج المشيّدة ، كأنه جمالات عظيمة الهيكل ، طويلة الأثر صُفر من شدة قوة النارية في ذلك الشرر ، وهي القوة الغضبية . ويل يومئذ للمكذِّبين بهذه التشبيهات اللطيفة والإشعارات الظريفة ، المنبئة عن الحقائق والدقائق . هـ . هذا يوم لا ينطقون من شدة تحيرهم ، وقوة دهشهم ، ولا يُؤذن لهم فيعتذرون عن بطالتهم وتقصيرهم وقلة استعدادهم لهذا اليوم . { ويل يومئذ للمكذِّبين } قال القشيري : لأنهم أفسدوا الاستعداد ، بالركون إلى الدنيا وشهواتها والميل عن الآخرة ودرجاتها . هـ . هذا يوم الفصل بين أهل الجد والاجتهاد ، وأهل البطالة والفساد ، أو بين أهل القرب والوصال ، وبين أهل البُعد والانفصال ، أو بين أهل الشهود والعيان وأهل الدليل والبرهان ، أو : بين المقربين وعامة أهل اليمين ، جمعناكم والأولين ، فيقع التمييز بين الفريقين من المتقدمين والمتأخرين ، فإن كان لكم كيد وحيلة ترتفعون بها إلى درجات المقربين ، فكيدونن ولا قُدرة على ذلك ، حيث فاتهم ذلك في الدنيا . ويل يومئذ للمكذَّبين بهذا الفصل والتمييز . ثم ذكر أهل الجد والتشمير ، فقال : { إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي ظِلاَلٍ وَعُيُونٍ } .