Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 79, Ayat: 42-46)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحق جلّ جلاله : { يسألونك عن الساعةِ أيّان مُرْسَاها } أي : متى إرساؤها ، أي : إقامتها ، يُريدون : متى يُقيمها الله تعالى ويكوّنها ، وقيل : إيّان منتهاها ومستقرها ، كما أنّ مرسى السفينة المحل التي تنتهي إليه وتستقر فيه ، { فِيمَ أنتَ مِن ذِكراها } أيّ : في أي شيء أنت مِن أن تذكر وقتها لهم وتعلمهم به ؟ أي : ما أنت من ذكراها وتبيين وقتها لهم في شيءٍ حتى يسألونك بيانها ، إنما أنت نذير بها ، كقولك : ليس فلان من العلم في شيءٍ وهو إنكار ورد لسؤال المشركين عنها ، لأنَّ علمها مما استأثر به علاّم الغيوب وقيل : كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لم يزل يذكر الساعة ويسأل عنها حتى نزلت ، فكفّ ، فهو على هذا تعجيب من كثرة ذكره لها ، أي : أنت في شُغل وأي شغل أنت من الاهتمام بالسؤال عنها . وقالت عائشة رضي الله عنها : كان صلى الله عليه وسلم يسأل عن الساعة كثيراً ، فما نزلت هذه الآية انتهى عن ذلك . ولا يرده قوله : { كَأَنَّكَ حَفِيُّ عَنْهَا } [ الأعراف : 187 ] أي : إنهم يزعمون أنك مُبالغ في السؤال عنها حتى علمتها ولست كما يزعمون ، لأنّا نقول هذه الآية نزلت قبل تلك ، وأنه كان أولاً يسأل عنها حتى نُهي بهذه الآية فانتهى ، كما ذكر في الحديث المذكور ، فنزلت تلك مخبرة عن حاله بعد انتهائه . والله أعلم . قال القشيري : من أين لك علمها ولم نعلمك بذلك ، وقيل : يوقف على قوله : " فِيمَ " أي : هذا السؤال الذي يسألونك فيم ، أي : في أي شيء هو ، فيكون إنكاراً لسؤالهم ، ثم ابتدأ : " مِن ذكراها " أي : إن ظهورك وبعثك وأنت خاتم النبيين من جملة ذكراها ، أي : أشراطها وعلامتها ، ومؤذن بقيامها ، فلا حاجة لسؤالهم عنها ، ويرده : عدم الإتيان بهاء السكت ، ويجاب : بأنه ليس بلازم ، وإنما تَلزمُ فيما جرّ بإضافة اسم ، لبقائه على حرف واحد ، كما هو مقرر في محله ، مع عدم ثبوته في المصحف . ثم أومأ تعالى إلى أنه مختص بحقيقة علمها ، فقال : { إِلى ربك منتهاها } منتهى علمها متى يكون ، لا يعلمها غيره ، { إِنما أنت منذرُ من يخشاها } أي : لم تُبعث لتُعلمهم وقت الساعة ، وإنما بُعثت لتُخوّف مِن أهوالها مَن يخاف شدائدها ، { كأنهم يوم يرونها } أي : الساعة { لم يَلبثوا } في الدنيا { إِلاَّ عشيةً أو ضُحاها } أي : ضحى العشية ، استقلُّوا مدّة لبثهم في الدنيا لما عاينوا من الهول ، كقوله : { لَمْ يَلْبَثُواْ إِلاَّ سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ } [ الأحقاف : 35 ] وإنما صحّ إضافة الضحى إلى العشية للملابسة ، لاجتماعهما في نهارٍ واحد ، والمراد : أن مدة لبثهم لم تبلغ يوماً كاملاً ، ولكن أحد طرفي النهار عشية يومٍ واحدٍ أوضحاه . وقال أبو السعود : الآية إما تقرير وتأكيد لما يُنبىء عنه الإنذار من سرعة مجيء المنذَر به ، أي : كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا بعد الإنذار إلاّ عشية يوم واحد أو ضحاه ، فلما ترك اليوم أضيف ضحاه إلى عشيته . وإمّا رد لما أدمجوه في سؤالهم فإنهم كانوا يسألون عنها بطريق الاستهزاء مسعجلين لها ، فالمعنى : كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا بعد الوعيد بها إلاّ عشية أو ضُحاها ، واعتبار كون اللبث في القبور أو في الدنيا لا يقتضيه المقام ، وإنما الذي يقتضيه اعتبار كونه بعد الإنذار ، أو بعد الوعيد ، تحقيقاً للإنذار ، وردًّا لاستبطائهم . والجملة على الأول : حال من الموصول ، فإنه على تقدير الإضافة وعلى عدمها مفعول لمُنذر ، كما أنَّ قوله تعالى : { كَأَن لَّمْ يَلْبَثُواْ إِلاَّ سَاعَةً مِنَ ٱلنَّهَارٍ } [ يونس : 45 ] حال من الضمير في " نحشرهم " أي : نحشرهم مشبّهين بمَن لم يلبث في الدنيا إلاّ ساعة من النهار ، خلا أن التشبيه هناك في الأحوال الظاهرة من الزي والهيئة ، وفيما نحن فيه من الاعتقاد ، كأنه قيل : عِدْهم مشبهين يوم يرونها في الاعتقاد بمَن لم يلبث بعد الإنذار بها إلاّ تلك المدة اليسيرة ، وعلى الثاني : مستأنفة ، لا محل لها من الإعراب . هـ . الإشارة : يسألونك أيها العارف عن الساعة التي يفتح الله فيها على المتوجِّه بالدخول في مقام الفناء في الذات ، أيَّان مُرْساها ، إنما أنت منذر مَن يخشى فواتها ، أي : إنما أنت مُبَيّن الطريق التي توصل إليها ، وتُخوِّف من العوائق التي تعوق عنها ، وليس مِن وظيفتك الإعلام بوقتها ، لأنها موهبة من الكريم الوهّاب كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلاّ عشية أو ضحاها ، أي : يستصغرون مدة مجاهدتهم وسيرهم في جانب عظمها . وبالله التوفيق ، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه ، وسلّم .