Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 8, Ayat: 11-12)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : إذا بدل ثان من إذ يعدكم ، أو متعلق بالنصر ، لِمَا في عند الله من معنى الفعل ، أو بإضمار اذكروا ، ومن قرأ بضم الياء ، فهو من أغشى ، أي : غطى ، ومن قرأ بالتشديد ، فهو من غشي المضعف ، وكلاهما يتعدى إلى مفعولين ، الكاف الأول والنعاس الثاني ، ومن قرأ بالفتح والتخفيف ، فهو من غشى يغشى المتعدي إلى واحد ووأمنة : مفعول من أجلة . يقول الحق جل جلاله : واذكروا { إذ يُغشيكم } ، أي : حين كان يغشيكم { النُعاسَ } وأنتم في القتال ، حين ينزل عليكم الأمْن من العدو بعد شدة الخوف ، وذلك لأجل الأمن الذي نزل من الله عليكم بعد شدة خوفكم . قال ابن مسعود رضي الله عنه : النعاس عند حضور القتال علامة أَمْنٍ مِنَ العدو . ثم ذكّرهم بمنة أُخرى ، فقال : { ويُنزل عليكم من السماء ماء ليُطهركم به } من الحدث والجنابة ، { ويُذهب عنكم رجز الشيطان } أي : وسوسته وتخويفه إياهم من العطش ، رُوي أنهم نزلوا في كثيب رمل دهس ، تسوخ فيه الأقدام على ماء قليل ، وناموا فاحتلم أكثرهم ، فوسوس إليهم الشيطان ، وقال : كيف تُنصرون وأنتم تصلون محدثين مجنبين ، وتزعمون أنكم أولياء الله فيكم رسوله ؟ فأشفقوا ، فأنزل الله المطر ، فمُطروا ليلاً حتى جرى الوادي ، فاتخذوا الحياض على عدوته ، وسقوا الركاب ، واغتسلوا وتوضؤوا ، وتلبد الرمل الذي بينهم وبين العدو ، حتى ثبتت عليه الأقدام وزالت الدهوسة ، وهذا معنى قوله : { وليَرِبطَ على قلوبكم ويُثبتَ به الأقدام } أي وليربط على قلوبكم بالوثوق على لطف وزوال ما وسوس إليهم الشيطان ، وذهاب الكسل عنها . { ويُثبت به الأقدام } حتى لا تسوخ في الرمل ، أو بالربط على القلوب حتى تثبت في مداحض الحرب . واذكروا أيضاً : { إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم } أي : أُثبت أقدامكم حين أُوحي إلى الملائكة أني معكم في نصر المؤمنين وتثبيتهم { فثبتوا الذين آمنوا } بتكثير عددهم ، أو بالبشارة لهم ، أو بمحاربة أعدائهم ، على قول من قال : إنهم باشروا القتال . { سأُلقي في قلوب الذين كفروا الرعب } والجزع حتى لا يثبتوا لقتالكم ، يحتمل أن يكون من خطاب الله للملائكة ، أو استئناف إخباراً للمؤمنين عما يفعله بعدوهم عاجلاً وآجلاً . ثم قال للملائكة أو للمؤمنين : { فاضربوا فوق الأعناق } أي : أعاليها التي هي المذابح والرؤوس ، { واضربوا منهم كل بَنَان } أي : أصابعهم ، أي : جزوا رقابهم واقطعوا أطرافهم . الإشارة : كان شيخ شيخنا يُشير على الفقراء ، إذا كثرت عليهم الخواطر والهواجس ، بالنوم ، ويقول من تشوش خاطره فليرقد حتى يشبع من النعاس ، فإنه يجد قلبه لأن النعاس أمنة من الله يذهب به رجز الشيطان وثقله ، ويربط على القلوب في الحضرة لأنه زوال ، وإذا زال العبد ظهر الحق وزهق الباطل . وقوله تعالى : { ويُنزل عليكم من السماء ماء } : هو ماء الغيب الذي يطهر القوب من شهود السَّوى ، ويذهب به رجز الشيطان ، وهي ظلمة الأكوان ، التي تنعقد في القلب من حب الهوى الذي هو من تزيين الشيطان ، ويثبت به الأقدام ، حتى تثبت عند مصادمة أنوار الحضرة ، التي هي تجلي الذات ، فلا يثبت لها إلا الشجعان والأبطال وأكابر الرجال . والله تعالى أعلم . ثم ذكر علة أمرهم بقتل الكفار ، فقال : { ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ شَآقُّواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } .