Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 8, Ayat: 1-4)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحق جل جلاله : { يسألونك عن } قسمة { الأنفالِ } وهي الغنائم ، سميت الغنيمة نفلاً لأنها عطية من الله تعالى ، وزيادة فضل ، كما يسمى ما يشترط الإمام للشجاع المقتحم خطراً ، نفلاً لأنه عطية له زيادة على سهمه ، وكما سمى يعقوب عليه السلام نافلة لأنه عطية زائدة على ولد إبراهيم عليه السلام ، حيث كان حفيده ، ثم أجابهم الحق تعالى فقال : { قل الأنفال لله والرسول } أي : أَمرها إلى الله ورسوله ، يقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يأمره الله تعالى ، وفي الوضع الذي يعينه له . وسبب نزولها : اختلاف المسلمين في غنائم بدر كيف تقسم ، هل في المهاجرين لفقرهم ، أو في الأنصار لنصرهم ، أو فيهما معاً . قال ابن جزي : وذلك أنهم كانوا يوم بدر ثلاث فرق : فرقة مع النبي صلى الله عليه وسلم في العريش تحرسه وتؤنسه ، وفرقة اتبعوا المشركين فقتلوهم وأسروهم ، وفرقة أحاطوا بأسلاب العدو وعسكرهم لما انهزموا ، فلما انجلت الحرب واجتمع الناس ، ورأت كل فرقة أنها بالغنيمة من غيرها ، اختلفوا فيما بينهم . فنزلت الآية . هـ . وقيل : شرط رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن كان له غناء أن ينفله ، فتسارع شبابهم حتى قتلوا سبعين وأسروا سبعين ، ثم طلبوا نفلهم ، وكان المال قليلاً ، فقال الشيخ والوجوه الذين كانوا عند الرايات : كنا رداءاً لكم ، وفئة تنحازون إلينا ، فلا تختصوا بشيء دوننا ، فنزلت ، فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم على السواء . ولهذا قيل : لا يلزم الإمام الوفاء بما وعد ، وهذا قول الشافعي رضي الله عنه . وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال : لمّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ قُتل أَخي عُمَيْرٌ ، وقتلتُ سَعِيدَ بْنَ العَاصِ ، وأخذتُ سَيْفَهُ وأتيتُ به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واستوهبته منه ، فقال : " لَيْسَ هَذَا لِي ، ولكن ضَعهُ في القَبض " . فَطَرحْتُهُ ، وفي قلبي مَا لا يَعْلَمُهُ إِلا الله من قَتَلِ أَخِي وأَخْذِ سَلَبي ، فَمَا جَاوَزْتُها إلا قليلاً حتى نزلت سُورَةُ الأَنْفَال ، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم " سَأَلَتنِي السَّيف ولَيْس لِي ، وإِنّهُ قد صَارَ لِي فاذْهَبْ فَخُذْهُ " . { فاتقوا الله } في المشاجرة والاختلاف ، { وأَصلحوا ذات بينكم } أي أصلحوا الحال التي بينكم بالمواساة والمواددة وسلامة الصدور ، ولمساعدة فيما رزقكم الله ، وتسليم أمره إلى الله تعالى ورسوله ، { وأطيعوا الله ورسوله } فيما يأمركم به { إن كنتم مؤمنين } فإن الإيمان يقتضي الاستماع والاتباع ، أو إن كنتم كاملي الإيمان فإن كمال الإيمان يقتضي التمسك بهذه الخصال الثلاث : امتثال الأوامر ، واجتناب النواهي ، وإصلاح ذات البين بالعدل والإحسان . ثم ذكر شروط كمال الإيمان ، فقال : { إنما المؤمنون } الكاملون في الإيمان : { الذين إذا ذُكر الله وَجَلتْ قلوبُهم } خافت واقشعرت لذكره استعظاماً له وهيبة من جلاله ، وقيل : هو الرجل يهم بالمعصية فقال له اتق الله ، فينزع عنها خوفاً من عقابه ، { وإِذا تُلِيت عليهم آياته } القرآنية { زادتهم إيماناً } أي : يقيناً وطمأنينة بتظاهر الأدلة التي اشتملت عليها ، أو بالعمل بموجبها . وهو دليل على أن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية ، بناء على أن العمل داخل فيه ، والتحقيق : أن العمل خارج عنه ، لكن نوره يتقوى به وينقص بنقصانه أو بالمعصية وسيأتي في الإشارة الكلام عليه . ومن أوصاف أهل الإيمان : التوكل على الله والاعتماد عليه ، كما قال : { وعلى ربهم يتوكلون } وقد تقدم في " آل عمران " الكلام على التوكل ، ثم وصفهم بإقامة الدين فقال : { الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون } في الواجب والتطوع . { أولئك هم المؤمنون حقاً } لأنهم حققوا إيمانهم بأن ضموا إليه مكارم أعمال القلب ، من الخشية والإخلاص والتوكل ، ومحاسن أعمال الجوارح التي هي العِيار عليها ، كالصلاة والصدقة ، { لهم درجات عند ربهم } أي كرامات وعلو منزلة ، أو درجات الجنة يرتقونها بأعمالهم ، { ومغفرة } لما فرط من ذنوبهم ، { ورزقٌ كريم } أعده لهم في الجنة ، لا ينقطع مدده ، ولا ينتهي أمده ، بمحض الفضل والكرم . الإشارة : الانفال الحقيقة هي المواهب التي ترد على القلوب ، من حضرة الغيوب من العلوم اللدنية والأسرار الربانية ، لا تزال تتوالى على القلوب ، حتى تغيب عما سوى المحبوب ، فيستغني غناء لا فقر معه أبداً ، وهذه غنائم خصوص الخصوص ، وغنائم الخصوص : هي القرب من الحبيب ، ومراقبة الرقيب ، بكمال الطاعة والجد والاجتهاد ، وهذه غنائم العباد والزهاد ، وغنائم عوام أهل اليمين : مغفرة الذنوب ، والستر على العيوب ، والنجاة من النار ، ومرافقة الأبرار ، وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : " مَنْ قَالَ عِندَ نَوْمِهِ : أسْتَغْفِر اللِّه َالعَظِيمَ الذي لا إله إلاّ هُوَ الحَيُّ القَيّومَ وَأَتُوبُ إِليْهِ ، غَفَرَ الله ذُنُوبَهُ ، وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَد البَحَرِ ، وعَدَدَ أَيَّامِ الدُّنْيَا " . قال الشيخ زروق : وهذه هي الغنيمة الباردة ، وهذه الأمور بيد الله وبواسطة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو معنى قوله { قل الأنفال لله والرسول } ثم دل على موجباتها فقال : { فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم … } الآية ، وقوله تعالى : { زادتهم إيماناً } : اعْلم أن الإيمان على ثلاثة أقسام : إيمان لا يزيد ولا ينقص وهو إيمان الملائكة ، وإيمان يزيد وينقص ، وهو إيمان عامة المسلمين ، وإيمان يزيد ولا ينقص وهو إيمان الأنبياء والرسل ، ومن كان على قدمهم من العارفين الروحانيين الراسخين في علم اليقين ، ومن تعلق بهم من المريدين السائرين ، بالطاعة والمعصية لتيقظهم وكمال توحيدهم ، وفي الحكم : " وربما قضى عليك بالذنب فكان سبب الوصول " وقال أيضاً : " معصية أورثت ذلاً وافتقاراً خير من طاعة أورثت عزاً واستكباراً " والله تعالى أعلم . ثم تكلم على الخروج إلى غزوة بدر ، فقال : { كَمَآ أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِٱلْحَقِّ } .