Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 8, Ayat: 25-25)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : دخلت النون في لا تصيبن لأنه في معنى النهي ، على حد قوله : { لاَ يَحطِمَنَّكُم سُلَيَمَان } [ النمل : 18 ] انظر البيضاوي . يقول الحق جل جلاله : { واتقوا فتنة } ، إن نزلت { لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة } ، بل تعم الظالم وغيره ، ثم يبعث الناس على نيتهم ، وذلك كإقرار المنكَر بين أظهركم ، والمداهنة في الأمر بالمعروف ، واقتراف الكبائر ، وظهور البدع ، والتكاسل في الجهاد ، وعن الفرائض ، وغير ذلك من أنواع الذنوب ، وفي الحديث : " لَتأْمُرُنَّ بالمَعْرُوفِ ولَتَنْهُونَّ عن المُنْكَرِ ، أو لَيَعُمَّنَّكُمْ اللَّهُ بِعَذَابِهِ " أو كما قال صلى الله عليه وسلم . قالت عائشة رضي الله عنها : أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال : " نعم ، إذا كثُر الخبث " . قال القشيري . في معنى الآية : احذروا أن ترتكبوا زلَّةً توجب لكم عقوبة لا تخص مرتكبها ، بل يعمُّ شؤمُها مَنْ تعاطاها ومن لم يتعاطاها . وغير المجرم لا يُؤخْذَ بجُرْم من أذنب ، ولكن قد ينفرد واحدٌ بجُرم فيحمل أقوامٌ من المختصين بفاعل هذا الجُرْم ، كأن يتعصبوا له إذا أُخِذَ بحكم ذلك الجرّم ، فبعد ألا يكونوا ظالمين يصيرون ظالمين بمعاونتهم وتعصبهم لهذا الظالم فتكون فتنة لا تختص بمن كان ظالماً في الحا ل ، بل تصيب أيضاً ظالماً في المستقبل بسبب تعصبه لهذا الظالم ، ورضاه به . هـ . وسيأتي تمامه في الإشارة . وحكى الطبري أنها نزلت في علي بن أبي طالب وعمار بن ياسر وطلحة والزبير ، وأن الفتنة ما جرى لهم يوم الجمل . هـ . قال تعالى { واعلموا أن الله شديد العقاب } لمن ارتكب معاصيه وتسبب في فتنة غيره . الإشارة : في القشيري ، لما تكلم على تفسير الظاهر ، قال : وأما من جهة الإشارة فإن العبدّ إذا باشر زّلّةٍ بنفسه عادت إلى القلب منها الفتنة ، وهي العقوبة المعجلة ، ونصيب النفس من الفتنة العقوبة ، والقلبُ إذا حصلت منه فتنة ، وهو همه بما لا يجوز ، تَعدَّتْ فتنته إلى السر وهي الحُجْبَةُ . وكذلك المُقَدًّمُ في شأنه ، إذا فعل ما لا يجوز ، انقطعت البركات التي كانت تتعدى منه إلى مُتَّبعِيهِ وتلامذتِهِ ، فكان انقطاع تلك البركات عنهم نصيبهم من الفتنة ، وهم لم يعملوا ذنباً ، ويقال : إن الأكابر إذا سكتوا عن التنكير على الأصاغر أصابتهم فتنة بتَرْكِهِم الإنكار عليهم فيما فعلوا من الإجرام . ثم قال : ويقال : إنًّ الزاهد إذا انحط إلى رخصة الشرع في اخذ الزيادة من الدنيا بما فوق الكفاية وإن كانت من وجه حلال تعدت فتنتهُ إلى من يتخرج على يديه من المبتدئين ، فيحمله على ما رأى منه على الرغبة في الدنيا ، وتَرْكِ التقلل ، فيؤديه إلى الانهماك في أودية الغفلة في الأشغال الدنيوية ، والعابد إذا جَنَحَ إلى سوء ترك الأوراد تعدَّى ذلك إلى ما كان ينشط في المجاهدة به ، ويتوطَّن الكسل ، ثم يحمله الفراغ وترك المجاهدة على متابعة الشهوات فيصير كما قيل : @ إن الشبابَ والفراغ والجدَةْ مفسدةٌ للمرء أي مفسده @@ فهذا يكون نصيبهم من الفتنة ، والعارف إذا رجع إلى ما فيه حَظَّ له ، نَظَرَ إليه المريدُ فتتداخله فتنة فَتْرَةٌ فيما هو به من الصدق المنازلة ، فيكون ذلك نصيبه من فتنة العارف . وبالجملة : إذا غفل المَلِكُ ، وتَشَاغَلَ عن سياسة رعيته ، تَعَطَّلَ الجندُ والرعية ، وعَظُمَ فيهم الخَلَلُ والبَليَّة ، وفي معناه أنشدوا : @ رُعَاتُك ضيَّعوا بالجهل منهم غُنَيْمَاتٍ فَساسَتْها ذِئابُ @@ انتهى كلامه رضي الله عنه . ثم ذكّرهُمْ ، فقال : { وَٱذْكُرُوۤاْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي ٱلأَرْضِ } .