Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 8, Ayat: 30-30)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحق جل جلاله : { و } اذكر ، يا محمد ، نعمة الله عليك بحفظه ورعايته لك { إذ يمكُر بك الذين كفروا } من قريش ، حين اجتمعوا في دار الندوة { ليُثْبِتُوكَ } أي : يحبسوك في الوثاق والسجن { أو يقتلوك } بسيوفهم ، { أو يخرجوك } من مكة . وذلك أنهم لما سمعوا بإسلام الأنصار ومبايعتهم للنبي صلى الله عليه وسلم ، خافوا على أنفسهم ، واجتمعوا في دار الندوة متشاورين في أمره ، فدخل عليهم إبليس في صورة شيخ ، وقال : أنا من نجد ، سمعت اجتماعكم فأردت أن أحضركم ، ولن تعدموا مني رأياً ونصحاً ، فقال أبو البحتري : أرى أن تحبسوه في بيت ، وتسدوا منافذه ، غير كوة تلقون إليه طعامه وشرابه فيها ، حتى يموت ، فقال الشيخ : بئس الرأي ، يأتيكم من يقاتلكم من قومه ، ويخلصه من أيديكم . فقال هشام بن عمرو : أرى أن تحملوه على جمل فتخرجوه من أرضكم ، فلا يضركم ما صنع ، فقال الشيخ : بئس الرأي ، يُفسد قوماً غيركم ويقاتلكم بهم . فقال أبو جهل : أنا أرى أن تأخذوا من كل بطن غلاماً ، وتعطوه سيفاً ، فتضربوه ضربة واحدة ، فيتفرق دمه في القبائل ، فلا يقوى بنو هاشم على حرب قريش كلهم ، فإن طلبوا العَقَلَ عقلناه . فقال الشيخ : صدق هذا الفتى ، فتفرقوا على رأيه ، فأتى جبريلُ النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره الخبر ، وأمره بالهجرة فبيت عليّاً رضي الله عنه على مضجعه ، وخرج مع أبي بكر إلى الغار ، ثم سافر مهاجراً إلى المدينة . قال تعالى : { ويمكرون ويمكر اللَّهُ } برد مكرهم عليهم ، أو مجازاتهم عليه ، أو بمعاملة الماكرين معهم ، بأن أخرجهم إلى بدر ، وقلل المسلمين في أعينهم ، حتى تجرأوا على قتالهم ، فقُتِلوا وأُسِروا ، { والله خيرُ الماكرين } إذ لا يؤبه بمكرهم دون مكره ، وإسناد أمثال هذا مما يحسن للمزاوجة ، ولا يجوز إطلاقها ابتداء لما فيه من إيهام الذم . قاله البيضاوي . الإشارة : وإذ يمكر بك أيها القلب الذين كفروا ، وهم القواطع من العلائق والحظوظ والشهوات ، ليحبسوك في سجن الأكوان ، مسجوناً بمحيطاتك ، محصوراً في هيكل ذاتك ، أو يقتلوك بالغفلة والجهل وتوارد الخواطر والأوهام ، أو يُخرجوك من حضرة ربك إلى شهود نفسك ، أو من صحبة العارفين إلى مخالطة الغافلين ، أو من حصن طاعته إلى محل الهلاك من موطن معصيته ، أو من دائرة الإسلام إلى الزيغ والإلحاد ، عائذاً بالله من المحن ، والله خير الماكرين ، فيرد كيد الماكرين ، وينصر أولياءه المتوجهين والواصلين ، وبالله التوفيق . ثم ذكر مساوئ أهل المكر ، فقال : { وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُواْ قَدْ سَمِعْنَا } .