Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 8, Ayat: 29-29)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحق جل جلاله : { يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله } ، كما أمركم ، { يجعل لكم فرقاناً } نوراً في قلوبكم ، تُفرقون به بين الحق والباطل ، والحسن والقبيح . قال ابن جزي : وذلك دليل على أن التقوى تُنور القلب ، وتشرح الصدر ، وتزيد في العلم والمعرفة . هـ . أو : نصراً يُفرق بين المحق والمبطل بإعزاز المؤمنين وإذلال الكافرين ، أو مخرجاً من الشبهات ، أو نجاة مما تحذرون في الدارين من المكروهات ، أو ظهوراً يشهر أمركم ويثبت صِيتَكم ، من قولهم : سطع فرقان الصبح ، أي نوره ، { ويُكفِّر عنكم سيئاتكم } أي : يسترها ، فلا يفضحكم يوم القيامة ، { ويغفرْ لكم } يتجاوز عن مساوئكم ، أو يكفر صغائركم ويغفر كبائركم ، أو يكفر ما تقدم ويغفر ما تأخر ، { والله ذوالفضل العظيم } ، ففضله أعظم من كل ذنب ، وفيه تنبيه على أن ما وعده لهم على التقوى تفضل منه وإحسان ، لا أن تقواهم أو جبت ذلك عليه ، كالسيد إذا ما وعده عبده أن يعطيه شيئاً في مقابلة عمل امره به ، مع أنه واجب عليه لا محيد له عنه . والله تعالى أعلم . الإشارة : الفرقان الذي يلقيه الله في قلوب المتقين من المتوجهين هو نور الواردات الإلهية ، التي ترد على القلوب من حضرة الغيوب ، وهي ثلاثة أقسام : وارد الانتباه : وهو نور يفرق به بين الغفلة واليقظة ، وبين البطالة والنهوض إلى الطاعة ، فيترك غفلته وهواه ، وينهض إلى مولاه ، ووارد الإقبال : وهو نور يفرق به بين الوقوف مع ظلمة الحجاب وبين السير إلى شهود الأحباب ، ووارد الوصال : وهو نور يفرق به بين ظلمة الأكوان ، ونور الشهود ، أو بين ظلمة سحاب الأثر وشهود شمس العرفان . وإلى هذه الواردات الثلاثة أشار في الحكم بقوله : " إنما أورد عليك الوارد لتكون به عليه وارداً ، أورد عليك الوارد ليسلمك من يد الأغيار ، ويحررك من رق الآثار ، أورد عليك الوارد ليخرجك من سجن وجودك إلى فضاء شهودك " . ثم ذكَّر نبيه صلى الله عليه وسلم بما فعل معه من الحفظ والرعاية من أعدائه اللئام ، فقال : { وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } .