Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 8, Ayat: 41-41)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : فأن لله : مبتدأ حُذف خبره ، أي : فكون خمسة لله ثابت ، أو خبر ، أي : فالواجب كون خمسه لله . يقول الحق جل جلاله : { واعلموا أنما غَنِمتُم من شيء } مما أخذتموه من الكفار قهراً بالقتال ، لا الذي هربوا عنه بلا قتال ، فكله للإمام فَيء ، يأخذ حاجته ويصرف باقيه في مصالح المسلمين ، ولا الذي طرحه العدو خوف الغرق ، فلواجده ، بلا تخميس ، وكذا ما أخذه من كان ببلاد العرب على وجه التلصيص ، فأما ما أخذه بالقتال : فللَّه { خُمُسَه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل } الجمهور على أن ذكر الله للتعظيم كقوله : { واللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرضُوه } [ التوبة : 62 ] ، وإنما المراد : قسم الخمس على الخمسة الباقية . واختلف العلماء في الخمسة ، فقال مالك : الرأي للإمام ، يلحقه ببيت الفَيء ، ويعطي من ذلك البيت لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رآه ، كما يعطي منه اليتامى والمساكين ، وغيرهم ، وإنما ذكر من ذكر على جهة التنبيه عليهم ، لأنهم من أهم ما يدفع إليهم . وقال الشافعي : يعطي للخمسة المعطوفة على الله ، ولا يجعل لله سهماً مختصاً ، وإنما ذكر ابتداء تعظيماً ، لأن الكل ملكه ، وسهم الرسول يأخذه الإمام ، يصرفه في المصالح ، فيعطي للأربعة المعطوفة على الرسول ، ويفضل أهل الحاجة . وقال مالك : لا يجب التعميم ، فله أن يعطي الأحوج ، وإن حرم غيره ، ومبني الخلاف : هل اللام لبيان المصرف أو للاستحقاق ، كما في آية الزكاة . وقال أبو حنيفة : على ثلاثة أسهم ، لليتامى والمساكين وابن السبيل ، قال : وسقط الرسول وذوو القربى بوفاته عليه الصلاة والسلام . وقال أبو العالية : يقسم على ستةٍ ، أخذاً بظاهر الآية ، ويصرف سهم الله إلى الكعبة ، وسهم الرسول في مصالح المسلمين ، وسهم ذوي القربى لأهل البيت الذين لا تحل لهم الزكاة ، ثم يعطى سهم اليتامى والمساكين وابن السبيل . قال البيضاوي : وذوو القربى : بنو هاشم ، وبنو المطلب ، لِمَا رُوي : أنه صلى الله عليه وسلم قسم سهم ذوي القربى عليهما ، فقال عثمان وجبير بن مطعم : هؤُلاء إِخْوانك بَنُو هِاشِمٍ لا ننكر فَضْلَهُمْ لمَكَانِك الذي جَعَلَك اللَّهُ مِنْهُمْ ، أرأيت إخواننا من بَني المُطَّلِب ، أعْطَيْتَهُمْ وحَرَمْتَنَا ، وإنَّما نَحنُ وَهُمْ بمَنْزِلَةٍ وَاحِدةٍ ؟ فَقَالَ عليه الصلاة والسلام : " إِنَّهُمْ لَمْ يُفَارِقُونَا في جَاهِلِيَّةٍ ولا إٍسْلاَم " وشَبَّكّ بَيْنَ أَصَابِعِهِ . وقيل : بنو هاشم وحدهم . قلت : وهو مشهور مذهب مالك وقيل : جميع قريش . هـ . ثم قال تعالى : { إنْ كنتم آمنتم بالله } ، أي : إن كنتم آمنتم بالله فاعلموا أنه جعل الخمس لهؤلاء ، فسلموه إليه ، واقنعوا بالأخماس الأربعة ، { وما } وكذا إن كنتم آمنتم بما { أنزلنا على عبدنا } محمد صلى الله عليه وسلم من القرآن ، في شأن الأنفال ، ومن النصر والملائكة ، { يوم الفرقان } يوم بدر ، فإنه فرّق فيه بين الحق والباطل ، { يوم التقى الجمعان } المسلمون والكفار ، { والله على كل شيء قدير } فيقدر على نصر القليل على الكثير ، بالإمداد بالملائكة ، وبلا إمداد ، ولكن حكمته اقتضت وجود الأسباب والوسائط ، والله حكيم عليم . الإشارة : واعلموا أنما غنمتم من شيء من العلوم اللدنية ، والمواهب القدسية ، والأسرار الربانية ، بعد مجاهدة العلائق والعوائق ، حتى صار دين القلب كله لله ، فللَّه خمسه فناء ، وللرسول بقاءً ، ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل تعظيماً وآداباً . يعني : أن العلم بالله يقتضي القيام بهذه الوظائف : الفناء في الله ، بالغيبة عما سواه ، وشهود الداعي الأعظم ، وهو رسول الله ، والأدب مع عباد الله ، ليتحقق الأدب مع الله . ثم تعالى أعلم بأسرار كتابه . ثم بيَّن يوم الفرقان ، فقال : { إِذْ أَنتُمْ بِالْعُدْوَةِ ٱلدُّنْيَا وَهُم بِٱلْعُدْوَةِ ٱلْقُصْوَىٰ } .