Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 8, Ayat: 42-44)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : إذ : بدل من يوم الفرقان ، أو ظرف لالْتقى ، أو لاذكر ، محذوفة ، والعدوة مثلث العين : شاطئ الوادي و الدنيا أي : القربى ، نعت له ، و القصوى : تأنيث الأقصى ، وكان قياسه : قلب الواو ياء ، كالدنيا والعليا تفرقة بين الاسم والصفة ، فجاء على الأصل ، كالقَود ، وسُمع فيه : " القصيا " على الأصل ، وهو شاذ . و الركب : مبتدأ ، و أسفل : ظرف خبره . يقول الحق جل جلاله : واذكروا { إذ أنتم بالعُدْوَة الدنيا } أي بعدوة الوادي القريبة من المدينة ، { وهم } أي : كفار قريش ، { بالعُدْوة القصوى } أي : البعيدة منها ، { والركبُ } أي : العير التي قصدتكم ، { أسفل منكم } أي : في مكان أسفل منكم ، يعني الساحل ، ثم جمع الله بينكم على غير ميعاد ، { ولو تواعدتُم } لهذا الجمع ، أنتم وهم للقتال ، ثم علمتم حالكم وحالهم { لاختلفتم في الميعاد } هيبة منهم لكثرتهم وقلتكم ، لتتحققوا أن ما اتفق لكم من الفتح والظفر ليس إلا صنيعاً من الله تعالى خارقاً للعادة ، فتزدادوا إيماناً وشكراً ، { ولكن } الله جمع بينكم من غير ميعاد { ليقضي اللَّهُ أمراً كان مفعولا } سابقاً في الأزل ، وهو نصر أوليائه وقهراً أعدائه في ذلك اليوم ، لا يختلف عنه ساعة . { ليَهلِكَ من هلك عن بينة ويحيى مَنْ حَيَّ عن بينة } ، أي : قدَّر ذلك الأمر العجيب ليموت من يموت عن بينة عاينها ، ويعيش من يعيش عن حجة شاهدها ، لئلا يكون له حجة ومعذرة ، فإن وقعة بدر من الآيات الواضحة ، فكل من عاينها ولم يؤمن قامت الحجة عليه . أو ليهلك بالكفر من هلك عن بينة وحجة قائمة عليه ، ويحيى بالإيمان من حي به عن بينة من ربه ، { وإنَّ الله لسميع عليمٌ } بكفر من كفر وإيمان من أمن ، فيجازي كلاًّ على فعله . ولعل الجمع بين صفة السمع والعلم لاشتمال الأمرين على القول والاعتقاد . واذكر أيضاً { إذْ يُريكَهُمُ الله في منامك قليلاً } ، كان صلى الله عليه وسلم قد رأى الكفار في نومه قليلاً ، فأخبر بذلك أصحابه ، فقويت نفوسهم وتجرؤوا على قتالهم ، وكانوا قليلاً في المعنى ، { ولو أراكَهُمْ كثيراً } في الحس { لفشلْتُمْ } لجبنتم ، { ولتنازعتم في الأمر } في أمر القتال ، وتفرقت آراؤكم ، { ولكنَّ الله سلَّم } أي : أنعم بالسلامة من الفشل والتنازع { إنه عليمٌ بذات الصدور } أي : يعلم ما يكون فيها من الخواطر وما يغير أحوالها . { و } اذكر أيضاً { إذْ يُريكموهم } أي : يريكم الله الكفار ، { إذ التقيتم في أعينكم قليلاً } ، حتى قال ابن مسعود لمن إلى جنبه : أتراهم سبعين ؟ فقال : أراهم مائة ، تثبتاً وتصديقاً لرؤيا الرسول صلى الله عليه وسلم ، { ويُقلِّلكم في أعينهم } ، حتى قال أبو جهل : إن محمداً وأصحابه أَكَلَهُ جزور بفتح الهمزة والكاف جمع آكل ـ ، أي : قدر ما يكفيهم جذور في أكلهم . قال البيضاوي : قللهم في أعينهم قبل التحام القتال ليجترئوا عليهم ولا يستعدوا لهم ، ثم كثّرهم حين رأوهم مثليهم لتفجأهم الكثرة فتبهتهم وتكسر قلوبهم ، وهذا من عظائم آيات الله في تلك الوقعة ، فإن البصر ، وإن كان قد يرى الكثير قليلاً والقليل كثيراً ، لكن لا على هذا الوجه ولا إلى هذا الحد ، وإنما يتصور ذلك بصد الله الأبصارَ عن إبصار بعضٍ ، مع التساوي في المرئي . هـ . وإنما فعل ذلك في الجهتين { ليقضيَ الله أمراً كان مفعولاً } أي : ليظهر الله أمراً كان سبق به القضاء والقدر ، فكان مفعولاً في سابق العلم ، لا محيد عنه ، ومن شأن الحكمة إظهار الأسباب والعلل ، كما أن من شأن القدرة إبراز ما سبق في الأزل ، وإنما كرره لاختلاف الفعل المعلل به لأن الأول علة لالتقائهم من غير ميعاد ، وهنا لتقليلهم في أعين الكفرة ، أو للتنبيه على أن المطلوب من العبد هو النظر إلى سابق القدر ، ليخف عليه ما يبرز منه من الشدائد والأهوال ، ولذلك قال أثره : { وإلى الله تُرجع الأمور } ، وإذا كانت الأمور كلها راجعة إلى الله تعالى فلا يسع العبد إلا الرضا والتسليم لكل ما يبرز منها ، فكل ما يبرز من عند الحبيب حبيب . والله تعالى أعلم . الإشارة : الأرواح والأسرار بالعُدوة القريبة من بحر الحقائق ، ليس بينها وبينه إلا إظهار أدب العبودية ، وهو الذي بين بحر الحقيقة والشريعة ، والأنفس وسائر القواطع بالعدوة القصوى منه ، والقلب ، الذي هو الركب المنازع فيه ، بينهما ، أسفل من الروح ، وفوق مقام النفس ، الروح تريد أن تجذبه إليها ليسكن الحضرة ، والنفس وجنودها تريد أن تميله إليها ليسكن وطن الغفلة معها ، والحرب بينهما سجال تارة ترد عليه الواردات الإلهية ، التي هي جند الروح ، فتنزل عليه بغتة من غير ميعاد ، فتجذبه إلى الحضرة . وتارة ترد عليه الخواطر والهواجس الردية فتحطه إلى أرض الحظوظ بغتة ، ليقضي الله أمراً كان مفعولاً في سابق علمه ، فإذا أراد الله عناية عبد قلّل عنه مدد الأغيار ، حتى يراها كل شيء ، وقواه بمدد الأنوار حتى يغيب عنه كُل شيء فتذهب عنه ظلمة الأغيار وإذا أراد الله خذلان عبد قطع عنه مدد الأنوار ، وقوى عليه مدد الأغيار ، حتى ينحط إلى الدرك الأسفل من النار ، والعياذ بالله من سوء القضاء والقدر ، وإليه الإشارة بقوله : { ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة } الآية . والله تعالى أعلم . ثم ذكر ما يقوي مدد الأنواع ، وهو الصبر والذكر ، فقال : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً } .