Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 8, Ayat: 61-63)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحق جل جلاله : { وإنْ جَنَحُوا للسَّلمْ } أي : وإن مالوا للصلح { فاجْنَح لها } أي فصالحهم ، ومل إلى المعاهدة معهم ، وتوكل على الله فلا تخف منهم أن يكونوا أبطنوا خداعاً فإن الله يعصمك من مكرهم { وَلاَ يَحِيقُ المَكرُ السَّيئُ إِلاَّ بِأَهلِهِ } [ فاطر : 42 ] ، { إنه هو السميع } لأقوالهم ، { العليم } بأحوالهم . { وإنْ يُريدُوا أن يخدعُوك } بعد الصلح { فإن حَسْبَكَ الله } أي : فحسبك الله وكافيك شرهم ، { هو الذي أيدك } أي : قواك ونصرك { بنصرِه } تحقيقاً ، { وبالمؤمنين } تشريفاً ، أو { بنصره } قدرة ، { وبالمؤمنين } حكمةً ، والقدرة والحكمة منه وإليه ، فلا دليل عليه للمعتزلة حيث نسبوا الفعل للعبد ، وقالوا : العطف يقتضي المغايرة . { وألَّفَ بين قلوبهم } مع ما كان فيها من زمن الجاهلية من المعصية والضغائن والتهالك على الانتقام ، حتى لا يكاد يأتلف فيهم قلبان ، ثم صاروا كنفس واحدة ، وهذا من معجزاته صلى الله عليه وسلم . قال تعالى : { لو أنفقتَ ما في الأرض جميعاً } ، في إصلاح ما بينهم ، { ما ألفت بين قلوبهم } لتناهي عداوتهم إلى حد لو أنفق منفق في إصلاح ذات بينهم ما في الأرض من الأموال لم يقدر على الألفة بينهم ، { ولكنَّ الله ألفَ بينهم } بقدرته البالغة فإنه المالك للقلوب يُقبلها كيف يشاء . { إنه عزيز } تام القدرة ، لا يَعصي عليه ما يريده ، { حكيم } يعلم كيف ينبغي أن يفعل ما يريده . قيل : إن الآية نزلت في الأوس والخزرج ، كان بينهم إِحنٌ وضغائن لا أمد لها ، ووقائع هلكت فيها ساداتهم ، فأنساهم الله ذلك ، وألَّف بينهم بالإسلام ، حتى تصادقوا وصاروا أنصار الدين . وبالله التوفيق . الإشارة : وإن مالت النفس وجنودها إلى الصلح مع صاحبها بأن ألقت السلاح ، ومالت إلى فعل كل ما فيه خير وصلاح ، وعقدت الرجوع عن هواها ، والدؤوب على طاعة مولاها ، فالواجب عقد الصلح معها ، وتصديقها فيما تأمر به أو تَنْهَى عنه ، مما يرد عليها ، مع التوكل على مولاها ، فإن خدعت بعد ذلك ، أو رجعت إلى مألوفها ، فالله يكفي أمرها ، ويقوي صاحبها على درها ، إما بسبب شيخ كامل ، أو أخ صالح ، فإن الصحبة فيها سر كبير ، لا سيما مع أهل الصفاء ، الذين صفت قلوبهم ، وألف الله بينهم بالمحبة والوداد ، وحسن الظن والاعتقاد ، وإما بسابق عناية ربانية وقوة إلهية . وبالله التوفيق . ثم أمر نبيه بالاكتفاء بالله وعدم الالتفات إلى ما سواه ، فقال : { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ حَسْبُكَ ٱللَّهُ } .