Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 8, Ayat: 60-60)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحق جل جلاله : { وأعدوا لهم } ، أي : لناقضي العهد ، أو لمطلق الكفار ، { ما استطعتم من قوة } ، أي : ما قدرتم عليه من كل ما يتقوى به في الحرب . وعن عقبة ابن عامر ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر : " ألاَ إنَّ القُوَّة الرَّمْي " قالها ثلاثاً ، ولعله عليه الصلاة والسلام خصه بالذكر لأنه أعظم القوى ، { و } أعدوا لهم أيضاً { من رباط الخيل } اي : من الخيل المربوطة للجهاد ، وهو اسم للخيل التي تربط في سبيل الله ، بمعنى مفعول ، أو مصدر ، أو جمع ربيط كفصيل وفصال . والمراد : الحث على استعداد الخيل العتاق التي تربط وتعلف بقصد الجهاد ، وهو من جملة القوة ، فهو من عطف الخاص على العام ، للاعتناء بأمر الخيل لما فيها من الإرهاب . ولذلك قال : { تُرهِبون به } أي : تخوفون بذلك الأعداء ، أو بما ذكر من الخيل المربوطة ، { عدو الله وعدوَّكم } يعني كفار مكة ، { وآخرين من دُونهم } أي : من غيرهم من الكفرة ، كفارس والروم وسائر الكفرة ، { لا تعلمونَهم } ، أي لا تعرفونهم اليوم ، { الله يعلمهم } ، وسيمكنكم منهم ، فتقاتلونهم وتملكون ملكهم ، { وما تُنفقوا من شيء في سبيل الله } ، في شأن الاستعداد ، وغيره مما يستعان به على الجهاد ، { يُوف إليكم } جزاؤه ، { وأنتم لا تُظلمون } بتضييع عمل أو نقص أجر ، بل يضاعفه لكم أضعافاً كثيرة ، بسبعمائة أو أكثر . والله تعالى أعلم . الإشارة : وأعدوا لجهاد القواطع والعلائق التي تعوقكم عن الحضرة ، ما استطعتم من قوة ، وهو العزم على السير من غير التفات ، ومن رباط القلوب في حضرة الحق ، تُرهبون به عدو الله ، وهو الشيطان ، وعدوكم ، وهي النفس ، وآخرين من دونهم : الحظوظ واللحوظ وخفايا خدع النفوس ، لا تعلمونهم ، الله يعلمهم كالرياء والشرك الخفي ، فإنه يدب دبيب النمل ، وما تنفقوا من شيء يُوف إليكم أضعافاً مضاعفة ، بالعز الدائم والغنى الأكبر ، وأنتم لا تُظلمون . وقال الورتجبي : أَعلم الله المؤمنين والعارفين استعداد قتل أعداء الله ، وسمى آلة القتال بقوة ، وتلك القوة قوة الإلهية التي لا ينالها العارف من الله إلا بخضوعه بين يديه ، بنعت الفناء في جلاله ، فإذا كان كذلك يلبسه الله لباس عظمته ونور كبريائه وهيبته ، ويغريه إلى الدعاء عليهم ، ويجعله منبسطاً ، حتى يقول في سره : إلهي خذهم ، فيأخذهم بلحظة ، ويسقطهم صرعى بين يديه بعونه وكرمه ، ويسلي قلب وليه بتفريجه من شرور مُعارضيه ومنكريه ، وذلك سهم رمى نفوس الهمة عن كنانة الغيرة ، كما رمى نبي الله صلى الله عليه وسلم إلى منكريه حين قال : " شاهت الوجوه " وهذا الرمي من الله بقوله : { وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى } . سمعت أن ذا النون المصري رضي الله عنه كان في غزو ، وغلب المشركون على المؤمنين ، فقيل له : لو دعوت الله ، فنزل عن دابته وسجد ، فهُزم المشركون في لحظة ، وأُخذوا جميعاً ، وأُسروا ، وقُتلوا . وأيضاً : وأعدوا : أي اقتبسوا من الله قوة من قوى صفاته لنفوسكم حتى يقويكم في محاربتها . قال أبو علي الروذباري ، في قوله : { وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة } ، فقال : القوة هي الثقة بالله ، قيل ظاهر الآية : إنه الرمي بسهام القِسي . وفي الحقيقة : رمي سهام الليالي في الغيب بالخضوع والاستكانة ، ورمي القلب إلى الحق معتمداً عليه ، راجعاً إليه عما سواه . هـ . ثم بيّن أن المعول على الله ونصرته ، لا على السلاح والآلات بقوله : { هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين } ، أي : قواك بقوته الأزلية ، ونصرك بنصرته الأبدية ، ووفق المؤمنين بإعانتك على عدوك . ثم بيّن سبحانه أن نصرة المؤمنين لم تكن إلا بتأليفه بين قلوبهم ، وجمعهم على محبة الله ومحبة رسوله ، بعد تباينها بتفريقة الهموم في أودية الامتحان ، بقوله : { وألَّف بين قلوبهم } . وقال القشيري : الإشارة بقوله : { تُرهبون } : إلى أنه لا يجاهد على رجاء غنيمةٍ ينالها ، أو إشفاء صدر عن قضية حقد ، بل قصده أن تكون كلمة الله هي العليا . هـ . ثم دلَّ على الصلح لمصلحة ، فقال : { وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَٱجْنَحْ لَهَا } .