Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 8, Ayat: 65-66)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : التحريض : هو الحث على الشيء والمبالغة في طلبه ، وهو من الحرض ، الذي هو الإشفاء على الهلاك . يقول الحق جل جلاله : { يا أيها النبي حرّض المؤمنينَ } أي : حثهم { على القتال } أي : الجهاد . ثم أمرهم بالصبر والثبات للعدو بقوله : { إنْ يكنْ منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين ، وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفاً من الذين كفروا } ، وهذا خبر بمعنى الأمر ، أي : يقاتل العشرون منكم المائتين ، والمائة الألف ، وليثبتوا لهم ، ولا يصح أن يكون خبراً محضاً إذ لو كان خبراً محضاً لَمَا تخلف في الواقع ، ولو في جزئية إذ خبره تعالى لا يخلف . قال الفخر الرازي : حَسُن هذا التكليف لِما كان مسبوقاً بقوله : { حسبُكَ الله ومن اتبعك من المؤمنين } فلما وعد المؤمنين بالكفاية والنصر كان هذا التكليف سهلاً لأن من تكفل الله بنصره فإن أهل العالم لا يقدرون على إذايته . هـ . وإنما كان القليل من المؤمنين يقاوم الكثير من الكفار { بأنهم } بسبب أنهم { قوم لا يفقهون } ، أي : لأنهم جهلة بالله واليوم الآخر ، فلا يثبتون ثبات المؤمنين ، رجاء الثواب والترقي في الدرجات ، قتلوا أو ماتوا ، بخلاف الكفار فلا يستحقون من الله إلا الهوان والخذلان . ولمّا كلفهم بهذا في أول الإسلام ، وشقَّ ذلك عليهم ، خفف عنهم فقال : { الآن خففَ الله عنكم وعَلِمَ أن فيكم ضعفاً } فلا يقاوم الواحدُ منكم العشرة ، ولا المائةُ الألفَ ، { فإن يكن منكم مائة صابرة يَغْلِبُوا مائتين ، وإن يكن منكم ألفٌ يغلبوا ألفين بإذن الله } أمرهم بمقاومة الواحد لاثنين . وقيل : كان فيهم قلة ، فلما كثروا خفف عنهم ، وتكرير المعنى الواحد بذكر الأعداد المتناسبة للدلالة على أن حكم القليل والكثير واحد ، والضعف : ضعف البدن ، لا ضعف القلب . قال بعض الصحابة رضي الله عنهم ـ : لما نزل التخفيف ذهب من الصبر تسعة أعشار ، وبقي العشر . ولذلك قال تعالى هنا : { والله مع الصابرين } أي : بالنصر والمعونة ، فكيف لا يغلب من يقاومهم ولو كثر عدده ؟ . الإشارة : ينبغي لأهل التذكير أن يُحرضوا الناس على جهاد نفوسهم ، الذي هو الجهاد الأكبر ، وإنما كان أكبر لأن العدد الحسي يقابلك وتقابله ، بخلاف النفس فإنها جاءت تحت الرماية خفية عدو حبيب ، فلا يتقدم لجهادها إلا الرجال ، فينبغي للشيوخ أن يحضوا المريدين على جهادها ، ويهونوا لهم شأنها ، فإنَّ النفس لا يهول أمرها إلا قبل رمي اليد فيها ، فإذا رميت يدك فيها بالعزم على قتلها ضعفت ولانت ، وسهل علاجها ، وإذا خِفت منها ، وسوَّفت لها ، طالت عليك وملكتك ، ولا بد في جهادها من شيخ يريك مساوئها ، ويعينك بهمته على قتلها ، وإلاّ بقيتَ في العَنَتِ معها ، والشغل بمعاناتها حتى تموت بلا حصول نتيجة جهادها ، وهي المعرفة بسيدها وخالقها . والله تعالى أعلم . ثم عاتبهم على أخذ الفداء من الأسارى ، فقال : { مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَىٰ } .