Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 84, Ayat: 1-5)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحق جلّ جلاله : { إِذا السماءُ انشقتْ } أي : تشقّقت أبواباً لنزول الملائكة في الغمام ، أو : انشقت وطُويت كطي السجل للكتاب ، { وأَذِنَتْ لربها } أي : استمعت ، وفي الحديث : " ما أَذِنَ اللهُ لشيءٍ إذنه لنبيٍّ يتغَنَّى بالقرآن " أي : ما استمع ، أي : انقادت وأذعنت لتأثير قدرته تعالى حين تعلّقت إرادته بانشقاقها ولم تأبَ ولم تمتنع ، { وحُقَّتْ } أي : وحقَّ لها أن تسمع وتطيع لأمر ربها ، إذ هي مصنوعة مربوبة لله تعالى . { وإِذا الأرضُ مُدَّتْ } بُسطت وسُويت باندكاك جبالها وكِّل أمتٍ فيها حتى تصير كالصحفية الملساء ، عن أبن عباس : تُمدّ مَدَّ الأديم العُكاظي ، منسوب إلى عكاظ سوق بين نخلة والطائف ، كانت تعمره الجاهلية في ذي القعدة ، عشرين يوماً ، تجمع فيه قبائل العرب ، فيتعاكظون ، أي : يتغامزون ويتناشدون ، قاله في القاموس . { وألقتْ ما فيها } أي : رمت ما في جوفها من الموتى والكنوز ، كقوله تعالى : { وَأَخْرَجَتِ ٱلأَرْضُ أَثْقَالَهَا } [ الزلزلة : 2 ] . { وتخلتْ } منها فلم يبقَ في جوفها شيء ، وذلك ما يُؤذن بعِظَم الأمر ، كما تلقي الحامل ما في بطنها قبل الوضع . { وأَذِنَتْ لربها } أي : استمعت في إلقاء ما في بطنها ، وتخليتها عنه ، { وحُقتْ } أي : وهي حقيقة بأن تنقاد لربها ولا تمتنع ، ولكن لا بُعد إن لم تكن كذلك ، بل في نفسها وحَد ذَاتِها ، من قولهم : هو محقوق بكذا ، أو حقيق به ، والمعنى : انقادت لربها وهي حقيقة بذلك مِن ذاتها ، وكذلك يقال في انشقاق السماء . انظر أبا السعود . وجواب إذا محذوف ، ليذهب المقدِّر كلَّ مذهب ، أي : كان من الأمر الهائل ما يقصر عنه الوصف ، أو حذف اكتفاءً بما تقدّم في سورة التكوير والانفطار ، أو ما دلّ عليه { فملاقيه } أي : إذا السماء انشقت لاقى الإنسان كدْحَهُ . والله تعالى أعلم . الإشارة : إذا السماء ، أي : سماء الأرواح انشقت عن ظلمة الأشباح انشقاق الفجر عن ظلمة الليل ، فتغيب ظلمة الأشباح في نور عالَم الأرواح فحينئذ تظهر حقائق الأشياء على ما كانت عليه في الحقيقة الأزلية ، فينتفي الحدث ويبقى القِدم . قال الورتجبي : إذا أراد الله قلع الكون ، يلقي على السموات والأرض أثقال هيبة عظمته وكبريائه ، فتنشق السماء ، وتمد الأرض من عكس تجلي عظمته وكبريائه ، وحق لهما أن تتصدّعا ، لِما عليهما من أثقال قهريات جبروته ، حيث يشققهما ، وهما طائعتان لربهما ، وكيف لا تكون منهما طاعة ، وهما في قبضة قهر جلاله أقل من خردلة ، ألا ترى كيف قال صلى الله عليه وسلم : " الكونُ في يمين الرحمن أقلِّ من خَردلةٍ " وكذلك يتجلّى لسماء أرواح العارفين وأرض قلوب المحبين بنعت العظمة والكبرياء ، فتنشق الأرواح وتزلزل القلوب من وقوع نور هيبته عليها ، وبهذا الوصف وصف قلوب المقرّبين عند نزول خطاب الهيبة ، قال الله تعالى : { حَتَّىٰ إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ … } [ سبأ : 23 ] الآية . قال بعضهم : خطاب الأمر إذا وقع على الهياكل فهي بين مطيع وعاصٍ ، وخطاب الهيبة إذا وردت تفني وتُعجز الإقرار معه كقوله : { إذا السماء انشقت } وَرَدَ عليها صفةُ الهيبة فانشقت وأذِنَتْ لربها وأطاعت وانقادت ، وحُق لها ذلك ، وهو الذي أوجدها . هـ وإذا الأرض أرض البشرية مُدت ، أي : بُسطت ولانت لأحكام الربوبية بالمجاهدة والرياضة ، وألقت ما فيها من الخبائث والعيوب ، وتخلّت عنها ، وأذنت لربها في أحكام العبودية والعبادة ، وحُقَّتْ بذلك لأنَّ في ذلك شرفَها وعزَّها ، وجواب " إذا " محذوف ، أي : كان من الأسرار والأنوار والمعارف ما لا يدخل تحت دوائر العبارة ، ولا تحيط به الإشارة . ثم حَثَّ على السير إلى ما ينال به هذا السر العظيم ، فقال : { يٰأَيُّهَا ٱلإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ } .