Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 89, Ayat: 1-13)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحق جلّ جلاله : { والفجر } ، إمّا وقته ، أقسم به لشرفه ، كما أقسم بالصُبح ، لِمَا في ذلك من الاقتدار ، أو : صلاته لكونها مشهودة ، { وليالٍ عشر } عشر ذي الحجة ، أو العشر الأُول من المحرم ، أو الأواخر من رمضان ، ونُكِّرت للتفخيم ، { والشفع والوتر } أي : شفع كل الأشياء ووترها ، أو : شفع هذه الليالي ووترها ، أو : شفع الصلوات ووترها ، أو : يوم النحر ، لأنه اليوم العاشر ، ويوم عرفة لأنه التاسع ، أو الخلق والخالق ، او صلاة النافلة والوتر بعدها ، أو الأعداد لأنَّ منها شفعاً ومنها وتراً ، والمختار العموم ، كأنه تعالى أقسم بكل شيء إذ لا يخلو شيء من أن يكون شفعاً وهو الزوج ، أو وتراً وهو الفرد ، والوتر بالفتح والكسر لغتان . ولمَّا أقسم بالليالي المخصوصة ، أقسم بالليالي على العموم ، فقال : { والليلِ إِذا يَسْرِ } إذا ذهب ، أو : يسري فيه السائر ، وقيل : أُريد به ليلة القدر ، وحُذفت الياء في الوصل اكتفاءً بكسرتها ، وسُئل الأخفش عن سقوطها ، فقال للسائل : لا أجيبك حتى تخدمني سنة ، فسأله بعد سنة ، فقال : الليل لا يسري ، وإنّما يُسرى فيه ، فلمّا عدل عن معناه عدل عن لفظه موافقةً . هـ . ويرد عليه : أنها حُذفت في كلمات كثيرة ، ليس فيها هذه العلة . { هل في ذلك } أي : فيما أقسمت به من هذه الأشياء { قَسَمٌ } أي : مٌقسم به ، أو إقسام ، والمعنى : مَن كان ذا لُبٍّ عَلِمَ أنَّ ما أقسم الله به من هذه الأشياء فيه عجائب ودلائل على التوحيد والربوبية ، فهو حقيق بان يُقسم به ، وهذا تفخيم لشأن المقسَم بها ، وكونها أموراً جليلة حقيقة بالإقسام بها لذوي العقول ، وهذا كقوله تعالى : { وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ } [ الواقعة : 76 ] وتذكير الإشارة لتأويلها بما ذكر ، وما فيها من معنى البُعد للإيذان ببُعد مرتبة المشار إليه ، وبُعد منزلته في الشرف والفضل ، { لذي حِجْرٍ } لذي عقل ؟ سُمِّي به لأنه يحجر عن التهافت فيما لا ينبغي ، كما سُمِّي عقلاْ ونُهْيَةً لأنه يعقل صاحبه وينهاه عن الرذائل والمعنى : هل يحقُّ عند ذوي العقول أن تُعَظَّم هذه الأشياء بالإقسام بها ؟ أو : هل في إقسامي بها إقسام لذي حجر ، أي : هل هو قسم عظيم يؤكّد بمثله المقسَم عليه ؟ أو : هل في القسم بهذه الأشياء قسم مُقنع لذي لُب وعقل ؟ والمقسَم عليه محذوف ، أي : لتهلكنّ يا معشر الكفار ثم لتبنؤن بالحساب ، يدلّ عليه قوله تعالى : { ألم تَرَ كيف فعل ربُّك بعادٍ } فإنه استشهاد بعلمه صلى الله عليه وسلم بما فعل بعاد وأضرابهم المشاركين لقومه صلى الله عليه وسلم في الطغيان والفساد ، أي : ألم تعلم علماً يقيناً كيف عذَّب ربُّك عاداً ونظائرهم ، فيُعذّب هؤلاء أيضاً لاشتراكهم فيما يوجبه من الكفر والمعاصي ، والمراد بعاد : أولاد عاد بن عَوْص بن إرم بن سام بن نوح عليه السلام قوم هود عليه السلام ، سُمُّوا باسم أبيهم ، وقد قيل لأوائلهم : عاد الأولى ، ولآخرهم عاد الآخرة ، وقوله تعالى : { إِرَمَ } عطف بيان لعاد للإيذان بأنهم عاد الأولى بتقدير مضاف ، أي : سبط إرم ، أو : أهل إرم ، على ما قيل : من أنَّ إرم اسم بلدتهم أو أرضهم التي كانوا فيها ، كقوله : { وَسْئَلِ ٱلْقَرْيَةَ } [ يوسف : 82 ] ، ويؤيده قراءة ابن الزبير بالإضافة ، ومنعت الصرف للتعريف والتأنيث ، قبيلةً ، كانت أو أرضاً . وقوله تعالى : { ذاتِ العماد } صفة لإِرم ، فإذا كانت قبيلة فالمعنى : أنهم كانوا بدويين أهل عمد ، أو : طِوال الأجسام على تشبيه قدودهم بالأعمدة ، وإن كانت صفة للبلدة ، فالمعنى : أنها ذات عماد طِوال لخيامهم على قدر طول أجسامهم ، رُوي : أنها كانت من ذهب ، فلما أرسل اللهُ عليهم الريح دفنتها في التراب ، أو ذات أساطين . رُوي : أنه كان لعاد ابنان شدّاد وشديد ، فمَلَكا وقَهَرا ، ثم مات شديد وخلص الأمر لشدّاد ، فملك الدنيا ودانت له ملوكها ، فسمع بذكر الجنة ، فقال : أبني مثلها ، فبنى إرم في بعض صحاري عدن في ثلاثمائة سنة ، وكان عمره تسعمائة سنة ، وهي مدينةٌ عظيمةٌ ، قصورها من الذهب والفضة ، وأساطينها من الزبرجد والياقوت ، وفيها أصناف الأشجار والأنهار ، ولمَّا تمَّ بناءها سار إليها بأهل مملكته ، فلمّا كان منها على مسيرة يوم وليلةٍ ، بعث اللهُ عليه صيحة من السماء فهلكوا ، وقيل : غطتها الريح بالرمل فما غمًّا عليها . وعن عبد الله بن قلابة : أنه خرج في طلب إبل له ، فوقع عليها ، فحمل ما قدر عليه ممّا ثمَّ ، فبلغ خبره معاوية ، فاستحضره فقصَّ عليه ، فبعث إلى كعب فسأله ، فقال : هي إرم ذات العماد ، وسيدخلها رجل من المسلمين في زمانك ، أحمر أشقر ، قصير ، على حاجبه خال ، وعلى عنقه خال ، يرخج في طلب إبل له ، ثم التفت فأبصر ابن قلابة ، فقال : هذا واللهُ ذلك الرجل . انظر الثعلبي . { التي لم يُخْلَق مثلُها في البلاد } أي : مثل عادٍ في قوتهم ، كان الرجل منهم يحمل الصخرة ، فيجعلها على الحق فيهلكهم ، وطُولِ قامتهم ، كان طول الرجل منهم أربعمائة ذراع ، أو : لم يُخلق مثل مدينة " شدّاد " في جميع بلاد الدنيا ، ذكر في القوت : أنَّ بعض الأولياء قال : دخلتُ مائة مدينة ، أصغرها إرم ذات العماد ، ثم قال : وقوله تعالى على هذا : { لم يخلق مثلها في البلاد } أي : بلاد اليمن . هـ . { وثمودَ الذين جابوا الصَّخْرَ بالوادِ } أي : قطعوا صخر الجبال ، واتخذوا فيها بيوتاً ، قيل : أوّل مَن نحت الجبال والصخور ثمود ، وبنوا ألفاً وسبعمائة مدينةٍ كلها من الحجارة ، والمراد بالواد وادي القُرى ، وقيل غيره . والوادي : ما بين الجبلين ، وإن لم يكن فيه ماء . { وفرعونَ ذي الأوتاد } أي : وكيف فعل بفرعون صاحب الأوتاد ، أي : الجنود الكثيرة ، وصف بذلك لكثرة جنوده وخيامهم التي كانوا يضربونها في منازلهم إذا نزلوا ، وقيل : كان له أوتاد يُعذّب الناسَ بها ، كما فعل بآسية . { الذين طَغَوا في البلاد } تجاوزوا الحدّ ، والموصول إمّا مجرور صفة للمذكورين ، أو منصوب ، أو مرفوع على الذم ، أي : طغى كل طائفة منهم في بلادهم ، وكذا قوله تعالى : { فأكثَرُوا فيها الفسادَ } بالكفر القتل والظلم ، { فصبَّ عليهم ربُّك } أي : أنزل إنزالاً شديداً على كل طائفة من أولئك الطوائف عقب ما فعلت من الطغيان والفساد { سوطَ عذابٍ } أي : عذاباً شديداً لا يُدرك غايته وهو عبارة عما حلَّ بكل واحدٍ منهم من فنون العذاب التي بُينت في سائر السور الكريمة ، وتسميته سوطاً للإشارة إلى أنَّ ذلك بالنسبة إلى ما أعدّ لهم في الآخرة بمنزلة السوط عند السيف ، والتعبير بالصب ، للإيذان بشدته وكثرته ، واستمراره ، أي : عُذِّبوا عذاباً دائماً مؤلماً ، والعياذ بالله من أسباب المحن . الإشارة : أقسم تعالى بأول فجر نهار الإحسان ، وتمام قمر نور الإيمان ، ليلة العشر وشفعية الأثر ، ووتر الوحدة ، لتُسْتَأصلَن القواطع عمن توجه إليه بالصدق والإخلاص ، ألم ترَ كيف فعل ربك بعاد النفس الأمّارة العاتية ، الشبيهة بعاد إرم ذات العماد في العتو ، التي لم يُخلق مثلُها في البلاد في بلاد القواطع ، إذ هي أقبح من سبعين شيطاناً ، وثمود الذين جابوا الصخر بالوادي . القشيري : يشير إلى ثمود القوة الشهوانية القاطعة لصخرات الشهوات الجثمانية ، وفرعون ذي الأوتاد ، يُشير إلى فرعون القوة الغضبية ، وكثرة تباعته ، وأنواع عقوباته وتشدداته . هـ . فأكثَروا فيها الفساد ، أي : مدينة القلب ، فصبَّ عليهم ربك سوط عذاب بأنواع المجاهدات والرياضات ، ممن أراد الله تأييده وولايته . ثم ذكر مراقبته تعالى على عباده ، فقال : { إِنَّ رَبَّكَ لَبِٱلْمِرْصَادِ } .