Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 101-101)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحق جل جلاله : { وممن حولكم } ، يا أهل المدينة ، { من الأعراب منافقون } ساكنون حولكم ، وهم : جُهينة ، ومُزينة ، وأسلم ، وغفار ، وأشجع ، كانوا نازلين حول المدينة ، أما أسلم وغفار فتابوا ، ودعا لهم عليه الصلاة والسلام فقال : " أسلم سالمها الله ، وغفار غفر الله لها " وأما الباقي فأسلم بعضهم . قال تعالى : { ومن أهل المدينة } قوم { مَرَدُوا } أي : استمروا { على النفاق } ، واجترؤوا عليه ، وتمرنوا وتمهروا فيه ، { لا تعلمُهم } أي : لا تعرفهم يا محمد بأعيانهم ، وهو بيان لمهارتهم وتنوقهم في تحري مواقع التهم إلى حد قد خفي عليك حالهم ، مع كمال فطنتك وحِذقِ فراستك ، { نحنُ نعلمهم } ، ونَطّلِع على أسرارهم إن قدروا أن يُلبسوا عليك فلا يقدرون أن يلبسوا علينا ، { سنعذّبهم مرتين } بالفضيحة والقتل ، أو بأحدهما وعذاب القبر ، أو بأخذ الزكاة ونهك الأبدان في الحرب ، أو بإقامة الحدود وعذاب القبر ، أو بتسليط الحُمى عليهم مرتين في السنة ، { ثم يُرَدُّون إلى عذاب عظيم } بعد الموت ، وهو عذاب النار . الإشارة : قد جعل الله سبحانه بحكمته وقدرته ، في كُلَّ عصر وأوان بحرين : بحراً من النور وبحراً من الظلمة ، من عصر النبي صلى الله عليه وسلم إلى قيام الساعة ، فلا بد في كل عصر من نور وظلمة ، وإيمان وكفران ، ونفاق وإخلاص ، وصفاء وخوض ، فأهل النور نورهم في الزيادة إلى قرب قيام الساعة ، وأهل الظلمة كذلك إذ لا تعرف الأشياء إلا بأضدادها ، ولا يظهر شرف النور إلا بوجود الظلمة ، ولا شرف الصفاء إلا بوجود الخوض ، ولا فضل العلم إلا بوجود الجهل ، وهكذا جعل الله من كل زوجين اثنين ، ليقع الفرار إلى الواحد الحق ، فمن رام انفراد احدهما في الوجود فهو جاهل بحكمة الملك الودود . والله تعالى أعلم . ولما ذكر من كملُ صفاؤه من السائقين ، ومن كمل خوضه من المنافقين ، ذكر من جمع بين الصفاء والخوض ، فقال : { وَآخَرُونَ ٱعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحاً } .