Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 120-121)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : ولا يرغبوا : منصوب بالعطف ، أو مجزوم بالنهي ، والوادي : أصله : فاعل ، من وَدِيَ ، إذا سأل ، وهو منقوص ، وهو في اللغة : كل متفرج بين جبال وآكام يكون منفذاً للسيل . يقول الحق جل جلاله : { ما كان } يصح { لأهل المدينةِ } ، ولا لمن { حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله } في غزوة ولا سرية ولا غيرهما ، وهي نهي بصيغة النفي للمبالغة ، { لا } ينبغي لهم أن { يَرْغَبُوا بأنفسهم عن نفسِه } بأن يصونوها من اقتحام المشقات والمتاعب التي تحملها نبي الله صلى الله عليه وسلم ، حيث قعدوا عنه ، ولم يكابدوا معه ما كابده من الأهوال . رُوي أن أبا خَيْثمة دخل بستانه ، بعد خروجه عليه الصلاة والسلام لتبوك ، وكانت له امرأة حسناء ، فرشت له في الظل ، وبسطت له الحصير ، وقربت إليه الرطب والماء البارد ، فنظر فقال : ظِلّ ظَلِيلٌ ، ورطب يانع ، وماء بارد ، وامرأة حسناء ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الضِّحّ ، والريح ما هذا بخير فقام ، فرحل ناقته ، وأخذ سيفه ورمحه ، ومر كالريح ، فمد رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفه إلى الطريق ، فإذا براكب يقطع السراب ، فقال : كن أبا خيثمة ، فكأنهُ ، ففرح به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واستغفر له . ثم علل النهي بقوله : { ذلك } إشارة إلى النهي عن التخلف المفهوم من الكلام ، { بأنهم } أي : بسبب أنهم { لا يُصيبهم } في سفرهم { ظََمأ } من حر العطش ، أو عطش ، { ولا نَصبٌ } تعب ، { ولا مَخمَصةٌ } مجاعة ، { في سبيل الله } ، { ولا يطؤون } يدرسون بأرجلهم أو بأبدوابهم { مَوْطئاً } مكاناً { يغيظ الكفار } أي : يغيظهم ذلك الوطء ، { ولا ينالون من عدو نيلاً } كالقتل ، والأسر ، والنصب ، وكل ما ينكبهم ، { إلا كُتِبَ لهم به عملٌ صالحٌ } ، أي : إلا استوجبوا به ثواباً جزيلاً . وذلك مما يوجب النهوض إلى الغزو معه صلى الله عليه وسلم فإن { الله لا يُضيع أجرَ المحسنين } على إحسانهم ، وهو تعليل لقوله : { إلا كتب لهم … } الخ . وفيه تنبيه على أن الجهاد إحسان ، إما في حق الكفار فلأنه سعى في تكميلهم بأقصى ما يمكن ، كضرب المُداوي للمجنون ، وإما في حق المؤمنين فلأنه صيانة لهم عن سطوة الكفار واستيلائهم على الإسلام . قاله البيضاوي . { ولا يُنفقون نفقةً صغيرةً } في امر الجهاد ، ولو علاقة سيف ، { ولا كبيرة } مثل ما أنفق عثمان رضي الله عنه في جيش العسرة ، { ولا يقطعُون وادياً } في سيرهم ، وهو كل منفرج ينفذ فيه السيل ، { إلا كُتِبَ لهم } ذلك ، ولم يضعْ منه شيء ، { ليجزيَهُم الله } بذلك { أحسنَ ما كانوا يعملون } ، أي : جزاء أحسن أعمالهم ، أو أحسن جزاء أعمالهم . قاله البيضاوي . الإشارة : لا ينبغي للفقراء أن يتخلفوا عن أشياخهم إذا سافروا لحج أو غزو أو تذكير أو زيادة ، ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه ، فيقعدون في الراحة والدعة وشيخهم في التعب والنصب لأن ما يصيبهم من مشاق السفر زيادة في ترقيهم ومعرفتهم ، وتقوية لمعانيهم ، إلى غير ذلك من فوائد السفر ، فهو في حق السائرين أمر مؤكد ، فكما سار البدن في عالم الشهادة سار القلب في عالم الغيب ، كما هو محبوب . والله تعالى أعلم . ولما ذم الله تعالى من تخلف عن تبوك ، ووسمه بالنفاق ، لم يقدر أحد بعد ذلك على التخلف ، فخفف عنهم بقوله : { وَمَا كَانَ ٱلْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً } .