Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 124-127)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحق جل جلاله : { وإذا ما أنزلت سورةٌ } من القرآن ، { فمنهم } فمن المنافقين { من يقولُ } إنكاراً واستهزاءً : { أيُّكم زادتْهُ هذه } السورة { إيماناً } ، كما يزعم أصحاب محمد : ان القرآن يزيدهم إيماناً ، فلا زيادة فيه ، ولا دليل أنه من عند الله . قال تعالى في الرد عليهم : { فأما الذين آمنوا فزادتهم إيماناً } لتنوير قلوبهم ، وصفاء سرائرهم ، فتزيدهم إيماناً وعلماً لما فيها من الإنذار والإخبار ، ولانضمام الإيمان بها وبما فيها إلى إيمانهم ، { وهم يستبشرون } بنزولها لأنها سبب لزيادة إيمانهم ، وارتفاع درجاتهم ، بخلاف قلوب المنافقين فلظلمانيتها وخوضها لم تزدهم إلا خوضاً ، كما قال تعالى : { واما الذين في قلوبهم مرض } كفر وشك ، { فزادتهم رجْساً إلى رِجْسِهِمْ } أي : كفراً بها ، مضموماً إلى الكفر بغيرها ، الذي كان حاصلاً فيهم ، { وماتوا وهم كافرون } أي : وتحكم ذلك في قلوبهم حتى ماتوا عليه . { أوَ لا يَرَوْنَ } أي : المنافقون ، { أنهم يُفتَنُون } أي : يُبتلون ويُختبرون بأصناف البليات ، كالأمراض والجوع ، أو الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيعاينون ما يظهر عليه من الآيات ، أو يفضحون بكشف سرائرهم . يفعل ذلك بهم { في كل عامٍ مرةً أو مرتين ، ثم لا يتوبون } : لا ينتهون من نفاقهم وكفرهم ، { ولا هم يذَّكَّرون } يعتبرون . { وإذا ما أُنزلت سورةٌ نظر بعضُهم إلى بعضٍٍ } ، يريدون الهرب ، يقولون : { هل يراكم من أحدٍ } إذا قمتم ، فإن لم يرهم أحد قاموا وانصرفوا . قال البيضاوي : تغامزوا بالعيوب ، إنكاراً لها وسخرية ، أو غيظاً لما فيها من عيوبهم . هـ . قال ابن عطية : المعنى : إذا ما أُنزلت سورة فيها فضيحتهم ، نظر بعضهم إلى بعض على جهة التقرير ، يُفْهم من تلك النظرة : التقرير : هل معكم من ينقل عنكم ؟ هل يراكم من أحد حين تدبرون أمركم ؟ وقوله : { ثم انصَرَفُوا } أي : عن طريق الاهتداء ، وذلك أنهم حينما بيَّن لهم كشف أسرارهم ، يقع لهم لا محالة تعجب وتوقف ونظر ، فلو اهتدوا لكان ذلك الوقت مظنة لهم ، فهم إذ يصممون على الكفر ، ويرتكبون فيه ، كأنهم انصرفوا عن تلك الحال ، التي كانت مظنة النظر والاهتداء . هـ . والتحقيق : أن معنى { انصرفوا } : قاموا عن مجلس النبي صلى الله عليه وسلم مخافة الفضيحة . { صَرَفَ اللهُ قلوبَهم } عن الإيمان دعاء عليهم ، أو إخبار ، فيستوجبون ذلك { بأنهم } بسبب أنهم { قوم لا يفقهون } لا يفهمون عن الله ولا عن رسوله عليه الصلاة والسلام ـ ، أو لا يفقهون سوء فهمهم أو عدم تدبرهم . الإشارة : زيادة الإيمان عند سماع القرآن يكون على حسب التصفية والتطهير من الأغيار ، فبقدر ما يصفوا القلب من الأغيار يكشف له عن أسرار القرآن . قال بعضهم : كنت أقرأ القرآن فلا أجد له حلاوة ، فجاهدت نفسي وطهرتها ، فصرت كأني أسمعه من النبي صلى الله عليه وسلم ، يتلوه على أصحابه ، ثم رفعت إلى مقام فوقه ، فكنت أتلوه كأني أسمعه من جبريل يلقيه على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثمَّ منَّ عليّ اللهُ بمنزلة أخرى ، فأنا الآن أسمعه من المتكلم به ، فعندما وجدت له نعيماً لا أصبر عليه . هـ . بلفظه . مثل هذا يزيده القرآن إيقاناً ، ويستبشر قلبه عند سماعه ، وأما من كان مريض القلب بحب الدنيا ، مَغْمُوراً بالشكوى والأوهام والخواطر فلا يزيده القرآن إلا بُعداً حيث لم يتدبر فيه ، ولم يعمل بمقتضاه ، وإذا حضر مثلُ هذا الغافل مجلسَ وعظ أو تذكير أو ذكر لم يطق الجلوس ، بل نظر : هل يراه من أحد ؟ ثم انصرف ، صرف الله قلبه عن حضرة قدسه لعدم فهمه عن ربه . والله تعالى أعلم . ثم ختم السورة بذكر محاسن نبيه عليه الصلاة والسلام لما ظهر عليه في هذه السورة من الرحمة والرأفة بالمؤمنين ، ومن العفو والصفح عن المعتذرين ، فقال : { لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ } .